يا مدارس يا مدارس!
أصابنى الشغف والحنين وأنا أستعيد تلك اللحظات من طفولتى، عندما كانت المدرسة بالنسبة لى مساحة لممارسة التعلم والفنون والألعاب، والتعرف على معالم بلدى من خلال الرحلات الجميلة، كانت المعلّمة حريصة على أن تكون ضفائر التلميذات مشدودة ومزينة بشرائط بيضاء، وأن يكون شعر الرأس مرسلا ونظيفا، لم تكن المعلمات ترتدين الحجاب أو النقاب، وكنا نرتدى فى حصة التربية البدنية أو الألعاب، التيشرت الأبيض، وجونلة بيضاء فوق الركبة، لم يكن أحد يمنعنا من ممارسة الألعاب أو يحرمنا من ممارستها، وفى الرحلات نرتدى ما يحلو لنا ونتزين، كل ذلك تغيّر، ويجعلنى أتساءل: أى عطب أصاب مدارسنا وجردها من كل ذلك؟ وأصبحت مدارسنا للقهر وتخريب العقول، وأنا أقصد ذلك التعبير عمدا.
الأمثلة كثيرة على ذلك، ولا تخفى على أحد، وآخرها مديرة المدرسة التى جرجرت، وسحلت تلميذة بقسوة، وذلك لعدم ارتدائها الحجاب، وذكرنى ذلك منذ سنوات ست مضت بمعلمة الأقصر التى قامت بقص شعر تلميذتين بإحدى المدارس أمام التلاميذ، لأنهما لا يرتديان الحجاب، وبعدها بعامين قام مدرس تربية دينية، بإحدى المدارس الإبتدائية بالفيوم، بالتعدى بالضرب وقص شعر تلميذة بالمشرط لعدم ارتدائها الحجاب، ثم قيام ناظرة مدرسة بالزقازيق بكتابة وتعليق منشور يلزم الطالبات بارتداء الحجاب، ولست أريد أن أطيل برواية الكثير من أحوال مدارسنا المؤسفة، على أن المفجع ليس انهيار المنظومة التعليمية فقط، وإنما هذه السلفية التى تتغلغل فى مفاصل المنظومة.
والأكيد أن الذين جاءوا من دول البترول، أثّروا فى الحياة الاجتماعية المصرية بشكل شبه شامل، وأصبحوا مدرسين أو آباء لمدرسين ومدرسات يحملون الفكر المتعصب، يحتقرون المواطنة، والفكر الحر الناقد، وركّزوا معظم جهودهم فى محاصرة جسد الفتيات والنساء وقمعه.
إضافة إلى ذلك كله، استخدام العقاب البدنى والعنف داخل المدارس، وتحريم الألعاب والموسيقى وأى إبداعات أخرى، وزرع بذور التعصب، والشىء الذى لا شك فيه أنهم نجحوا فى أن يغيّروا مناخ مدارسنا وثقافتنا وحياتنا الاجتماعية كلها.
لا غرابة إذن أن تتحول المدارس من أمكنة للعلم والتربية والتريض إلى مساحات للقمع والإذلال الذى يفرض على فلذات أكبادنا ما تجرى بها ألسنتهم، وتجيش به نفوسهم من الردىء والغث، ولن ينصلح حال مادامت الأصولية تترعرع، وعلى وزير التربية والتعليم أن يضع سياسات ولوائح لتعزيز قيم المواطنة وممارستها، وإثراء الوجدان بالفنون والإبداع، وإلزام الجميع بذلك، فليس بالتكنولوجيا وحدها- مع أهميتها- سننهض بالتعليم، فالمدرسة ليست للإذلال والإهانة والقمع، بل لترقية النفوس والعقول.