المنحة والسخنة في عيد العمال

أغلب الظن أن كل ماعداه من أعياد مفهوم الأصل والفصل، ومهضوم الغاية والغرض. الدينى معروف أوله عن آخره، والفسيخى والرنجاوى واضح وضوح الشمس، والوطنى له تاريخ وقصص، لكن يبقى هذا العيد واقفًا وحده بين الأعياد منتظرًا من يقدره وآملاً فى من يبجله.

تبجيل عيد العمال فى ثقافتنا يبدو أمرًا عصيًّا على التفعيل ممتنعًا عن التنفيذ. وأكاد أجزم أن عيد العمال فى مصرنا المحبوبة لا يخرج عن صفتين رئيسيتين لا ثالث لهما: المنحة (وقت كانت هناك منحة) والعطلة (أدامها الله علينا لنرتاح من الراحة ونستريح من تباعد العطلات). أما كيف نشأت فكرة عيد العمال، أو ما المقصود بالعيد سواء من حيث الواجبات أو الحقوق، فنحن عنها ساهون، نائمون، غارقون فى شح اللحوم وغلاء الأرز والسكر والزيت ومركزية الشاى والقهوة والكيف.

كيف تحول عيد العمال الذى يحييه العالم من مناسبة فريدة للتفكر فى حقوق العمال الذين يعملون بحق وحقيقى وواجباتهم المنصوص عليها فى القوانين والقائمة عليها الدساتير، إلى إما فرصة ضمن ملايين الفرص للمناحة والبكاء على نوعية اللحوم المتوافرة فى المنافذ المدعمة وكيفية الإنفاق على الخمس أو الست أو السبع عيال الذين أنجبهم العامل المسكين والذى يعتبر ذنبهم فى رقبة الحكومة (أى حكومة)، تطعمهم وتشربهم وتعلمهم وتضمن لهم حياة كريمة، أو فرصة عظيمة لضم عطلة عيد تحرير سيناء مع شم النسيم للتوجه إلى السخنة أو الجونة أو شرم الشيخ؟!.

لكن عمومًا نشكر الله العلى القدير أن مشايخ التحريم والتكفير وتكريه المصريين فى كل ما كان مصريًا صميمًا وكل ما هو جميل يدعو إلى البهجة والفرحة لم يصلوا بغمة فتاواهم وعتمة صراخهم فى مكبرات الصوت إلى عيد العمال. فعيد العمال ليس مرتبطًا فى أذهانهم بالنساء اللاتى يسببن لهم هسهسًا عظيمًا، ويوقظ فى عقولهم الشياطين النائمة. وأرجو ألا يخبرهم أحد بأن عيد العمال يصطبغ فى دول عدة بألوان نسوية، حيث تركيز على حق المرأة العاملة فى أجور متساوية مع الرجال، ودخولها مهنًا ظلت ممنوعة منها... إلخ، وإلا تحولوا إلى دك عيد العمال على رؤوس الجميع، وتحريم توجيه التحية للعامل فى عيده، وتكفير العامل والعمل وصاحب العمل باعتبارهم رجسًا من عمل الشيطان.

الشيطان الذى تمكن من عقول البعض وصور لهم أن العمل هو التشبث بتلابيب أعمال السمسرة ومهن الافتئات على جيوب الغير والتخصص فى التهليب عبر الثلاث ورقات، عليه أن يراجع نفسه فى الأول من مايو من كل عام. المحرك الأول لفكرة عيد العمال كان نزاعات بين العمال وأرباب العمل على تخفيض ساعات العمل اليومى إلى ثمانى ساعات فى مدن أمريكية وكندية فى ثمانينيات القرن الـ19. عيد العمال ليس مناسبة للاحتفاء بالسايس أو المهلباتى أو الفهلوى أو المتسول أو غيرهم ممن يعتبرون مد أياديهم فى جيوب الغير حقًا مكتسبًا وعملًا محترمًا. عيد العمال مناسبة لزرع ثقافة العمل الملقاة فى العناية المركزة منذ عقود.

التعليقات