من رمضان إلى كان!
أنا الآن فى طريقى إلى مهرجان (كان) فى دورته التى تحمل رقم (72)، لى رصيد من دوراته يصل إلى 27، بدأت رحلتى مع المهرجان العريق عام 1992، ومنذ ذلك الحين والتواصل قائم، فأنا أحمل بداخلى ذكريات دافئة مرصعة بوجوه شكلت فى ذاكرتى معالم وحكايات لا تنسى، بعض الزملاء غابوا عن الدنيا ولكن بمجرد أن تبدأ الفعاليات، أستشعر حضورهم الطاغى.
هذا العام يأتى (كان) متشابكًا مع شهر رمضان، وذلك بسبب الفارق فى التقويم القمرى والشمسى الذى يصل إلى 11 يوما، فى العام الماضى توافق فقط آخر يومين من المهرجان مع رمضان، المهرجان لن يغير أبدا توقيته من أجلنا، فهو يتحرك فى النصف الأول من شهر مايو وربما يتأخر مثلا فى إحدى دوراته إلى 17، المهرجان طبعا لا يعنيه أن هناك من هم مرتبطون بالصيام، وعلى الجميع توفيق أوضاعهم، ومراعاة فروق التوقيت. أتذكر قبل 20 عاما عندما توافق موعد مهرجان (القاهرة) مع رمضان وكان حسين فهمى قد تولى رئاسة المهرجان خلفا لسعد وهبة وأراد أن يغير الموعد، اضطر الأمر إلى أكثر من جلسة مع القائمين على الاتحاد الدولى للمنتجين الذى ينضوى تحت مظلته مهرجان القاهرة، فلم يستوعبوا فكرة أنه لا يمكن أن يعرض فى الشارع أفلام فى رمضان، بينما الشاشة الصغيرة تجذب الجمهور، وأن (الميديا) على المستوى العربى لا تتناول فى العادة سوى رمضان، حتى وافقوا بعد مناقشات مضنية، حيث كان وقتها المهرجان يعقد فى أكتوبر، وتمكن حسين من زحزحته إلى نوفمبر، ومنذ ذلك الحين وهو فى نوفمبر، فى العالم العربى لا تقام مهرجانات فنية كبرى فى هذا الشهر لأنها تتعارض مع مزاج الناس.
ليس من السهل أن تنتقل من حالة إلى أخرى، الأجواء الرمضانية فى مصر لها جاذبيتها، فهى أيضا تُشكل مهرجانا صاخبا بالمسلسلات والبرامج والصراعات التى تجاوز بعضها كل ما هو منطقى، أتمنى حقا أن تتوقف الكثير من المظاهر التى أحزنتنى وأنا أحزم حقيبتى، بينها تلك التراشقات بين اثنين مخرجين تعدت الخطوط الحمراء، هناك فعلا قضية لها شقها القانونى، يجب على نقابة السينمائيين أن تتدخل لحسمها وهى الحقوق الأدبية التى تم انتهاكها ولا تسقط بالتقادم.
أكثر من ناله انتقاد على (السوشيال ميديا) هو الممثل محمد ممدوح (تايسون)، حضوره قبل ثلاث سنوات منذ (جراند أوتيل) يحمل قدرا من التميز لا يمكن أن تخطئه عين، قيمة أدائية مطلوبة بقوة سينمائيا وتليفزيونيا، لديه مشكلة فى مخارج ألفاظه، ولكنهم لايزالون يتابعونه بكثافة، لا يعنى ذلك أننى لا أرى أهمية فى ضرورة مواجهة هذا العيب، على العكس النجاح يتطلب منه أن يدفع ثمن الحفاظ عليه، فقط لا تذبحوه.
بالطبع من الممكن أن يظل التواصل قائما مع الأعمال الدرامية عن طريق (النت) حتى بعد المنصات الجديدة، لاتزال هناك منصات أخرى قادرة على الالتقاط، ولكن لدىّ مأزقان: الأول موضوعى وهو الزمن المتاح، فى اليوم أشاهد فى المتوسط أربعة أفلام.. فهل يتبقى أمامى متسع من الوقت؟، السبب الثانى نفسى، من الصعب أن تخون الأفلام العالمية بمسلسلات تليفزيونية، ولكن لا بأس من قضمة سريعة وخيانة عابرة بين الحين والآخر، وغدا نبدأ رحلة (كان)!!.