محسنة أم سهير؟! السؤال السخيف
لم أرتح إلى سؤال تردد عبر (النت) عن مهرجان المسرح، وهل يهدى دورته لمحسنة توفيق أم سهير البابلى؟.
الاثنتان تستحقان وقدمتا الكثير، مؤكد أن اسم محسنة بعد رحيلها فرض تكريمها، خاصة أن هناك إحساسًا لدينا جميعًا بالقسوة التى مارستها الدولة طوال عهودها عليها، لأنها كانت من بين القلائل الذى يعلنون موقفهم السياسى المباشر دون أى حسابات أو توازنات، بينما تعودنا أن الفنان بل المثقف فى بلادنا عليه أن يردد بلا نقاش شعار سعيد صالح فى مسرحية (هاللو شلبى)، (إللى يتجوز أمى أقوله يا عمى). محسنة كثيرا ما دفعت ثمن مواقفها السياسية بالتعتيم عليها، لأنها لم تقل لأى رئيس أو مسؤول يا عمى، وهكذا قرروا تكريمها فى مهرجان المسرح، بينما تصاعد سؤال عن جدوى التكريم بعد الرحيل وأن الفنانة القديرة سهير البابلى هى الأجدر.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل كان هناك من قرر التمادى فى التساؤل وانتقل إلى حجاب سهير البابلى وابتعادها بضع سنوات عن الفن وعودتها بعد أن وضعت الكثير من القيود وأسقطت الخط الفاصل بين الواقع والفن، وباتت تتردد فى مصافحة مجرد مصافحة لابنها فى المسلسل التليفزيونى، لأنه فى واقع الأمر ليس ابنها.
تفاصيل عديدة كادت أن تدخل بنا لنفق مظلم، وفى النهاية جاء الحل التوافقى، الدورة تحمل اسم محسنة توفيق ورئيستها الشرفية سهير البابلى.
كنت أتمنى أن تقدم الدورة فقط باسم محسنة توفيق، وليس هذا قطعا يعنى على أى نحو التقليل من إنجاز سهير البابلى، ولا من حبى وتقديرى الشخصى لها، ولكن أن يصبح لدينا اسم واحد نكرمه، هذا أفضل قطعًا لمحسنة وأيضًا لسهير، أتصور أن نعرض مقاطع من مسرحيات محسنة، وأن تكتب دراسات عن أهم أعمالها، وأن يصبح الفضاء المسرحى كله موجهًا إليها، أما من يقول إنها رحلت وإن الأجدى هو تكريم الأحياء، فإن ردى هو أننا نحاول أن نصلح الخطأ حتى بعد الرحيل، الضوء كان خافتًا جدًا عن الفنانة الكبيرة، وأغلب هذا الجيل لا يتذكر لها إلا القليل، لأنها لم تقدم أعمالها للقطاع الخاص المسرحى الذى لديه أدواته فى الحفاظ على تراثه، بينما ومع الأسف الدولة التى قدمت محسنة على خشبتها أعمالها المسرحية، أضاعت أغلب الكنوز.
اسم محسنة قطعًا يستحق كل حفاوة، كما أن الرائعة سهير البابلى لها فى داخل كل منا الكثير من الحب الذى تستحقه وعن جدارة، ولا يعنينى أنها فى مرحلة ابتعدت عن الفن أو تنكرت لجزء من مشوارها، أو كما هو الحال حاليًا وضعت محاذير متعددة وخلطت بين الفن والحياة، لأننا عندما نكرم فنانًا يعنينا تاريخه بالمقام الأول، ورصيد سهير البابلى قطعًا يستحق، ولكن فى دورة أخرى لا يشاركها فيها أحد.
الخلط بين الفنان ومواقفه الشخصية يجب ألا يحول دون التكريم، أتذكر مهرجان القاهرة السينمائى، وقع فى خطأ مماثل قبل نحو عشر سنوات عندما تقرر تكريم أحمد رمزى وحسن يوسف معًا، وتم بالفعل الإعلان عن ذلك، ثم فى اللحظات الأخيرة تم استبعاد حسن بحجة أنه قد أعلن التزامه وأطلق لحيته، وكتبت وقتها مقالًا مدافعًا عنه عنوانه (دقن الأستاذ تا تعيش).
تكريمنا لاسم محسنة توفيق وحدها فقط هذه الدورة فى مهرجان المسرح هو أقل ما يمكن أن نقدمه لفنانة قدمت لنا حياتها ولم نرد لها الجميل!!.