"كازابلانكا" مصنوع بحرفية على مزاج ونبض الجمهور!

هل تعلم أن ما بين الأفلام الخمسة المعروضة حاليا، كان أمير كرارة هو المرشح الأول لبطولتها، اكتفى بـ (كازابلانكا)، واعتذر عن (الممر) و(حملة فرعون)، كما أنه تواجد كضيف شرف فى الفيلم الرابع (سبع البرمبة) بطولة رامز جلال، ولو كان محمد سعد يسمح بأن يمر أحد بجواره أمام الكاميرا، لتعاقدوا على الفور أيضا مع كرارة بأى مبلغ فى مشهد ولو عابر فى (محمد حسين).

ما الذى يعنيه هذا سوى أن كرارة نجم يستند إلى إرادة جماهيرية، هى التى صعدت به للقمة الرقمية، نجم لم يهبط بباراشوت، ولكن (سنّة... سنّة) بكسر السين، اقترب من قلوب الناس بدرجة دفء ملحوظة، على الجانب الآخر هو النجم الذى تثق فيه الدولة وبقدرته على توصيل رسائلها، يتحرك بذكاء فى تلك المساحة، أن تكون فى آن واحد، شعبيا ورسميا، تذكر (كلبش) بأجزائه الثلاثة، من الممكن لكرارة أن يعبر عن اعتراضه أو تحفظه على مشهد فى غرفة مغلقة، ولكنه لا يبوح أبدا بذلك على الملأ، فهو يدرك أيضا قواعد وأصول الاقتراب من السلطة.

تأمل شيئا آخر كيف أن المملكة المغربية وافقت على تصوير (كازابلانكا) على أرضها، رغم ما به من عنف ودموية وعصابات وخروج على القانون، ولم نسمع أحدا يقول هذا (الكليشيه): حاكموا من أهانوا (سمعة المغرب)، المملكة تجاوزت تلك الحساسية وتسمح بالتصوير على أرضها، وتحقق المليارات سنويا، وتكسب أيضا دعائيا، بعد أن فتحت أبوابها للسينما العالمية، بينما نحن نرتعد بمجرد أن يتقدم احد بطلب التصوير فى مصر.

أخيرا أسقط الفيلم شعار مقاطعة الأعمال الفنية التركية، والدليل أن الأفيش يتصدره النجم التركى خالد أرجتش، لأن له مكانة عربية حققها من خلال الدراما وأشهرها دوره (السلطان سليمان) فى المسلسل الشهير (حريم السلطان)، لا صوت يعلو على صوت وجدان الشعوب التى تطالب بمشاهدة من تُحب ولا تعنيها من قريب أو بعيد القرارات السياسية الرسمية.

دعونا نُطل على الفيلم الذى يؤكد نجاح تلك التوأمة بين أمير كرارة والمخرج بيتر ميمى، التى انتقلت بسلاسة من الشاشة الصغيرة متصدرا كثافة المشاهدة للشاشة الكبيرة معتليا قمة الإيرادات، وبمسافة شاسعة مع من يحل ثانيا، حقق (حرب كرموز) العام الماضى نجاحا رقميا ضخما وتأكد، أيضا هذه المرة أن الأمر لم يكن ضربة حظ وأن بيتر يجيد قراءة جمهوره، وهكذا وقف أيضا فى مقدمة القوة الضاربة، إياد نصار بقدرته على التلون فى الأداء الهادئ على السطح المحمل بالداخل بالكثير من مشاعر الانتقام، عمرو عبد الجليل الذى دأب على أن يأخذ كل شخصية يؤديها إلى ملعب عمرو عبد الجليل، هو لا يذهب إلى الشخصية ويمسك بتفاصيلها الداخلية، فقط يكتفى بارتداء ملامحها الخارجية، ثم يعيد تدويرها لتعبر عن مفرداته، أتصور أنه من الممكن أن يعيد صياغة حوار مشهد درامى، حتى يقدم هو (الإفيه) الذى ينتزع الضحك من الجمهور، تلك الحالة التى يقدمها عمرو تحقق درجة من التماهى مع جمهوره، الذى بات يترقبه فى كل إطلالة، رغم أنها علميا تخاصم فى جزء كبير منها فن التشخيص الذى يعنى أن يختفى الفنان المؤدى تماما خلف الشخصية الدرامية، بينما عمرو يُقدم مفردات عمرو والناس معه على الخط تسأله عن المزيد.

حضور مميز لغادة عادل فى (كازابلانكا)، هناك قطعا مشاهد حركة تحتاج لدوبلير، إلا أنها توافقت مع مفتاح الدور باعتباره لعبة، وتعاملت معه على سبيل اللعب فنجحت، خالد أرجتش، توظيف زكى ولماح للنجم التركى، فى تعامله السينمائى لأول مرة مع الجمهور، لبلبة التى تؤدى دور أم غادة، هذا هو المتاح أمامها كمساحة لو أرادت التواجد على الخريطة فى مثل هذه الأفلام، ولا أعتب على فنان يريد أن يتنفس، ربما الاحتياج الأدبى أو المادى أو الاثنان هما الدافع، على شرط أن تعلم أنه مع نهاية عرض الشريط السينمائى سينسى الناس أنها كانت قد تواجدت أصلا فى (كازابلانكا).

بيتر ميمى يقدم شاشة جاذبة تجمع بين التشويق وخفة الظل، استعان بعناصر فنية حققت له النجاح أولهم فنان الموسيقى التصويرية التونسى الموهوب أمين بوحافة ومدير التصوير حسين عسر والمونتير أحمد حمدي.

بيتر مخرج يدرك تماما ما هو مطلوب منه، يقرأ جمهوره، ويعرف مفردات السينما التى يتبناها، لم يدع شيئا، ولم يقل هتافات زاعقة (حنجورية) على رأى عمنا محمود السعدنى، بيتر منذ البداية يلعب، ويدرك أنه يلعب، ولهذا ينجح، فهو حريف فى قواعد تلك اللعبة، بينما الآخرون يعانقون الفشل ـ لأتهم يلعبون، ويعتقدون أن لا أحد يكشف لعبهم أو ألاعيبهم!!.

ويبقى أمير كرارة الذى استطاع أن يصنع دائرة جماهيرية قابلة دائما للاتساع، هو قطعا له مصداقيته فى سينما (الأكشن)، يحافظ على بنيته الجسدية، ولياقته البدنية، كان قبل نحوعامين أحد أهم عناصر نجاح فيلم (هروب اضطرارى) بطولة أحمد السقا، وهكذا بات حضوره كنجم شعبى بناء على طلب الجماهير.

هم أقصد السينمائيين يرون وجها واحدا لكرارة، وهو القوة العضلية والحضور الطاغى وقدرة الجذب الجماهيرى، كل ذلك متوفر وبكثرة، كما أنه يمتلك عقلا يدير كل ذلك، فهو أكثر انضباطا فى التعامل مع النجاح الطاغى، يدرك أن أشواك النجاح من الممكن أن تدمى صاحبها، لو لم يعرف كيف يؤقلمها، أحال تلك الأشواك القاتلة إلى درع تحميه بدلا من أن تصبح سكينا تدميه.

لا تزال قناعتى أن بداخل كرارة موهبة الممثل، كامنة، هم يريدون استثماره كبطل أكشن يحطم الإيرادات تحطيما، عليه أن يقايضهم ويقدم فى المرة القادمة الممثل أمير كرارة!!.

(المصري اليوم)

 

التعليقات