الكل خاسر في معركة «حملة فرعون»!
هل من الممكن أن تتذكر مشهدا ما من فيلم «حملة فرعون»؟ ما يتبقى حالة غير مسبوقة على الشاشة، من العنف والدموية وطلقات البنادق والمدافع والقنابل، وجثة هنا وأخرى هناك، ورأس طائرة هنا وذراع حائر هناك.
حدث تغيير نوعى فى وصفة السبكى الشهيرة التى كانت هى عنوان السينما فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وممكن تلخيصها فى راقصة ومطرب وعدد من العلاقات الجنسية، ومساحة من الأجساد النسائية بقدر ما تسمح به الدولة ويوافق ضمنا عليه المجتمع، ومعركة أو أكثر بالكراسى التى تتطاير فى السقف، ولا بأس مع اقتراب نهاية الأحداث من قدر من الندم على كل ما فات والتقرب إلى الله عز وجل، ويعلن البطل، وهو على سجادة الصلاة، أن التمسك بحبل الإيمان هو الطريق الوحيد للنجاة، ويخرج المتفرج منتشيا بتلك الجرعة المكثفة التى تشعره بـأنه قد أخذ حقه (تالت ومتلت) دُنيا وآخرة. تلك الوصفة التى كانت تؤدى إلى تحقيق أعلى كثافة مشاهدة فى دور السينما، تراجعت كثيرا فى السنوات الأخيرة لأننا وصلنا لمرحلة التشبع، ولم تعد رقصات دينا ولا صوفينار ولا ألا كوشنير قادرة على إحداث أى هزة فى شباك التذاكر، بالإضافة إلى أن أغنيات الليثى الشعبية صارت (فشنك)، وسعد الصغير بات لا حول له ولا قوة ولا صوت ولا صدى، والسبكى وأفلامه أصبحت تقف فى ذيل القائمة الرقمية، إلا أنه لم يستسلم، غير المؤشر إلى وصفة أخرى سينما (الأكشن) وقدم جرعات مكثفة، من القوة المفرطة، تفجيرات تملأ (لوكيشن) التصوير، ليس مهما من يضرب من، القاعدة المستقرة هى (ضرب ضرب مفيش شتيمة)، لم يعد هناك هدف لدى المنتج سوى أن البطل يجب أن يظل على قيد الحياة، حتى اللقطة الأخيرة.
لن تستطيع أن تحبس أنفاسك من اللهاث، ستنتقل من ضربة موجعة إلى أخرى أشد إيلاما، ومن قفزة عشوائية إلى أخرى أكثر جنوحا وجنونا، ومن طعنة دامية إلى طعنة قاتلة، الفيلم بطبعه صاخب فى كل تفاصيله، ألقى بكل ما فى جعبته لكى يخرج لسانه للأفلام الأخرى التى تلعب فى نفس المساحة، السيناريو لا يعنيه تقديم شخصيات لها بناء اجتماعى أو اقتصادى أو نفسى، اقتنص المخرج رؤوف عبدالعزيز، بلا إحم ولا دستور، واحدا من أشهر الأفلام (الساموراى السبعة) لليابانى أكيرا كيرو ساوا، والذى أخرجه فى منتصف الخمسينيات ليصبح هذا القالب القائم على الانتقام هو الهدف للعديد من الأفلام شرقا وغربا وقدم أيضا على طريقة (الويسترن) الأمريكى، وهذا هو ما دفع المخرج سمير سيف مع مطلع التسعينيات للحماس بإعداد نسخة مصرية (شمس الزناتى) بطولة عادل إمام.
أنت عادة تتعاطف مع البطل الرئيسى وهو يجازف بحياته لإنقاذ إنسان قريب منه، كما أنك تنحاز لهؤلاء الخارجين عن القانون (الجدعان) الذين تحركهم قيمهم، وقانونهم الخاص هو الشجاعة، هؤلاء السبعة هذه المرة ينقذون ابن صديقهم عمرو سعد، مقابل صفقة ستدر عليهم أموالا، دائما ستجد رقم 7 الذى يتكرر فى الأفلام هو أحد الأرقام الساحرة فى كل الثقافات والأديان.
المفروض أن كل شخصية لها حكاياتها لكن فى النسخة المصرية، والتى لم يشر كاتبها إلى الأصل الأجنبى، تخفت تماما الدوافع والفروق فى بناء الشخصيات، وأتصور أن المنتج، وهو هنا القوة المؤثرة فى المشروع، سيطر على كل المفردات، يعلم أن الجمهور الذى كان ينتظر فى الماضى هزة من راقصة ولا تعنيه أى أشياء أخرى، الآن ينتظر معركة حامية الوطيس ولا تعنيه أى أشياء أخرى، وهكذا دعم فيلمه بعدد من أصحاب العضلات المفتولة مثل الملاكم مايك تايسون والمصارع الأسطورة هافور جوليوس والمصارع المصرى العالمى أيضا كرم جابر، ناهيك عن رامز أمين الذى يتمتع بمهارة عالية فى الأكشن ومحمد لطفى الذى يجيد أفلام الحركة وخالد الميرغنى الذى كان عليه عبء بث الضحكات بقدر المستطاع، ومحمود عبدالمغنى الذى يتمتع بمهارة فائقة فى التنشين، وكان لابد من توفر العنصر النسائى روبى التى تُقحم نفسها فى تلك المعادلة، الأجساد القوية والضربات القاتلة تتلاحق ولا أحد لديه وقت للتأمل، الأحداث مفروض أنها فى سوريا فى أعقاب الثورة، ومع مجموعة من العالقين بينهم الطفل ابن البطل عمرو سعد (فرعون) والذى يحمل الفيلم اسمه، المخرج يقدم بحرفية عددا لا نهائى من المعارك، ولكن لا شىء أبعد من ذلك، وتكتشف أن الأمر بالنسبة للمنتج كان محسوما من البداية لا يهم من يشارك فى الفيلم، وهكذا تتابعت لأداء دور البطولة أسماء مثل أمير كرارة ومحمد رمضان وعمرو يوسف حتى وصلنا إلى عمرو سعد، وأيضا تتابعت أسماء مخرجين مثل بيتر ميمى ومحمد سامى حتى جاء لإنقاذ الموقف رؤوف عبدالعزيز، المنتج فى نهاية الأمر واثق من الوصفة الجديدة وقبل وبعد ذلك لا شىء يهم.
هل هناك فائز فى هذا الفيلم؟ المفروض أن محمد السبكى دفع أموالا طائلة لاستقدام كل هؤلاء مفتولى العضلات، لكن لا أتصور أن مردود الشباك كان إيجابيا، فلقد حل بالأرقام رابعا بين الأفلام الخمسة، روبى مثلا وهى واحدة من أكثر الموهوبات فى هذا الجيل، هل حقق لها الفيلم شيئا؟ تواجدت بلا أثر واختفت بلا أثر. ويبقى عمرو سعد الذى يؤرقه دائما طموح أن يعتلى فى قلوب الناس مكانة النجم الجماهيرى الشعبى، شارك فى عدد من الأفلام يحدوه هذا الأمل مثل (حديد) و(ريجاتا) وعدد أيضا من المسلسلات التليفزيونية لتحقيق نفس الهدف، المحاولات لم تسفر عن نجاح رقمى يعتد به، لكن عمرو لايزال متشبثا بالمستحيل. عمرو ممثل موهوب وإنسان مثقف إلا أنه يبدد طاقته فى معارك خارج النص، فلا نصدقه كبطل شعبى مثلما صدقنا مثلا السقا وكرارة ورمضان، ولا يجد أمامه مساحة درامية للتمثيل، وهكذا يخسر مرتين!