محمد حمزة (الطير المسافر)!
أكثر شاعر غنائى تعرض لضربات تشكك فى موهبته هو محمد حمزة، عدد من أبناء جيله كانوا يرددون أن بليغ يكتب له من الباطن، فهل محمد عبدالوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجى ومنير مراد ومحمد سلطان وسيد مكاوى وغيرهم كانوا أيضا يكتبون لحمزة؟.
عبدالحليم نبهه إلى أن بليغ بالصمت يساهم فى سريان هذه الشائعات.
كان بليغ ومع أغلب الشعراء الذى تعاون معهم منذ منتصف الستينيات يُقدم لمحات شعرية غير مكتملة، تحتاج إلى قدرة على توظيفها ومنحها السحر الشاعرى، حمزة هو الأكثر قدرة بين أبناء جيله على التعامل مع تلك الشذرات، وهكذا حدثت التوأمة مع حمزة.
رصيد 1200 لو قلنا مثلا بينها 200 أو حتى 400 مع بليغ، فمن الذى كتب له الباقى؟، عشت مع ذكرى حمزة التاسعة قبل ساعات، حيث قدمت له محطة الأغانى يوما كاملا.
تكتشف على مدى يقترب من 50 عامًا عُمر تجربته الغنائية أن شاعرنا هو لسان حالنا عاطفيا ووطنيا واجتماعيا، لو أدرت مؤشر الراديو أو ريموت التليفزيون فى أى وقت سوف تستوقفك واحدة من أغنياته.
كان لى حظ أن ألتقى الأستاذ حمزة فى مؤسسة (روز اليوسف) فى نهاية السبعينيات، فهو صحفى كبير فى مجلة «صباح الخير» وأنا أتدرب فى «روزاليوسف».. وشاعرنا الموهوب مارس الكتابة الصحفية فى مجالى الفن والرياضة.. لم يتخل أبدًا عن الصحافة رغم كل ما حققه من شهرة.
بدايات «حمزة» جاءت فى منتصف الستينيات.. شاب صغير فى مطلع العشرينيات من عمره، يذهب مع صحفى أسبق فى عالم الصحافة إلى بيت فايزة أحمد، وهو نفس البيت الذى لايزال يقطنه حتى الآن الموسيقار محمد سلطان، ويعرض على «فايزة» أشعاره (أؤمر يا أمر أمرك ماشى) و(رشوا الورد على الصفين) والأغنية الأخيرة كتبها بمناسبة عودة جنودنا من اليمن.. كانت «فايزة» فى بداية زواجها من سلطان، وحققت (أؤمر يا قمر) نجاحًا جماهيريًّا ضخمًا، انتقل «حمزة» من بيت «سلطان» و«فايزة» إلى بيت عبدالحليم حافظ من خلال بليغ حمدى، القفزة الكبرى تحققت مع أغنية (سواح وماشى فى البلاد سواح/ والخطوة بينى وبين حبيبى براح/ مشوار بعيد وأنا فيه غريب/ والليل يقرب والنهار رواح).. صورة شعرية رائعة، ويحقق هذا الثالوث العديد من النجاحات: (زى الهوى)، (موعود)، (أى دمعة حزن لا)، (جانا الهوى)، (حاول تفتكرنى)، (قدك المياس يا عمرى) (وفدائى) وغيرها، وعندما تحدث جفوة بين «عبدالحليم» و«بليغ حمدى»، يختار «حمزة» الوقوف على شاطئ «عبدالحليم»، ويكتب له من تلحين عبدالوهاب (نبتدى منين الحكاية).. «حمزة» لصيق بالتجربة (الحليمية) له أكثر من 70 أغنية، صحيح أن العديد من الشعراء مثل صلاح جاهين ومرسى جميل عزيز ومأمون الشناوى وحسين السيد وعبدالرحمن الأبنودى وغيرهم سبقوه إلى «حليم» ولكن «حمزة» هو صاحب الرصيد الأكبر.
من أحلى أغانى الوطن (يا حبيتى يا مصر)، قدمت بعد هزيمة 67، كان حمزة وبليغ عند شادية لبروفة أغنية (عالى عالى).. فجأة قالت شادية بحرقة (يا حبيبتى يا مصر)، التقطها حمزة وتأجلت (عالى) وكتب (ولا شاف إصرار فى عيون البشر/ بيقول أحرار ولازم ننتصر)، مثلما كتب للغربة بصوت نجاة (وبعتنا مع الطير المسافر جواب/ وتراب من أرض أجدادى/ وزهرة م الوادى)!!. إذا لم يكن هذا هو الشعر، فما هو الشعر إذًا؟!!.