الانقضاض على "منتخب الساجدين"
في خضم الانقضاض الشعبي على المنتخب المصري بعد خسارته أمام جنوب أفريقيا، نلاحظ أن انتماءات كل منا ومعتقداته وثقافته وحتى مكامن قرفه ومنابع غيظه تفرض نفسها على نوعية الانقضاض وتوجهه.
فالفريق المندد بفضيحة اللاعب عمرو وردة وملفه في مسائل التحرش رأى أن "هزل" و"فصام" عودة وردة المتحرش للمنتخب- كأن شيئًا لم يكن- عامل من عوامل الفشل.
بل رأى البعض منهم أن وجود متحرش بين اللاعبين دون أن يسبب لهم ذلك قرفاً أو غثيانا يجعلهم يستحقون الهزيمة.
وعلى نفس جبهة الانقضاض، يقف فريق آخر لا يكتفي برفض التحرش فقط، لكنه يعتبر نفسه منزهًا عن مرض الفصام، حيث المجتمع المتدين بطبعه لا يستوي مع المجتمع المتحرش بسليقته.
هؤلاء ابتدعوا هاشتاج هو خليط من السخرية والتذكير بالخلطبيطة الفكرية والفخفخينا الدينية التي تظلل المحروسة منذ ما يقرب من 50 عامًا. هاشتاج فريق المتحرشين يدق على المسمى الملتزم المناسب لصرعة أواخر القرن الـ20، ألا وهي صرعة التديين.
"فريق الساجدين" المتحول "فريق المتحرشين"، يقول الكثير عن قطاع من المصريين يعي ويفهم أن السلوكيات لا تتجزأ.
فلا اللاعب المتحرش يمكن أن يكون رياضيًا خلوقًا، ولا الشعب الممارس للتحرش أو المبرر له يمكن أن يكون متدينًا بالفطرة.
وهناك من ركز انقضاضه على "تنبؤ" كابتن رضا عبد العال، لاعب فريقي الأهلي والزمالك السابق، خروج مصر من البطولة، معتبرًا قدرته على التنبؤ دليلاً على أنه الوحيد المناسب لتدريب المنتخب.
لم يبحث الكثير من أبناء هذا الفريق عن العوامل التي ذكرها عبد العال من تواضع مستوى المدرب المكسيكي والتي لم يذكرها عن الاتحاد وما أدراك ما الاتحاد؟!
مجرد صدق نبوءته المرتكزة على أسباب منطقية واضحة وضوح الشمس جعل منه مرشحًا شعبيًا لقيادة المنتخب الوطني!
ومثلما رأى فريق في كابتن رضا عبد العال الخليفة المناسب لخافيير أجيري، رأى فريق آخر من الفرق المنقضة في "المعلم" كابتن حسن شحاتة الحل الوحيد والمخرج الأكيد من المطب الكروي الحالي.
ويبدو أن الصندوق ما زال مغلقًا بالضبة والمفتاح، حيث الأفكار حبيسته والشخصيات – رغم عظمتها وإنجازاتها – لا تتسع للجديد.
منقضون آخرون رأوا أن الدولة "الظالمة" "القاسية" التي تحبس المعارضين، وتحاكم "الناس بتوع ربنا" وتصر على إبقاء الأطهار الأبرار في السجون رغم أنهم المؤهلون للحكم السبب وراء هزيمة المنتخب.
وكعادة هؤلاء في كل مناسبة، فقد لونوا انقضاضهم بألوان أعلامهم الخضراء ووشموا عليه سيوفهم المتقاطعة.
ومن المنقضين من اعتبر رواتب اللاعبين ومكافآتهم وأرباح الإعلام الرياضي التي رأوها مبالغًا فيها فرصة ذهبية للانقضاض والاقتصاص من هؤلاء المنعمين المرغدين، مطالبين بوقف هذا الإهدار وتوجيه الأموال إما لبناء المدارس والمستشفيات، أو لشراء سندوتشات جبنة رومي وبسطرمة للشعب التعبان.
ولا يفوتنا بالطبع ذكر الفريق الملتزم المتدين بالفطرة الذي يعتبر الكرة "لهوًا حرامًا" من الأصل، ومن ثم فإن الخسارة رسالة من السماء بأن يتوب الجميع إلى الله ويمضي هذا الوقت المهدر في التبحر في شؤون الدين (النسخة الجديدة) حيث السؤال عن قواعد مناكحة النساء ومعايير دخول الحمام، وحكم من يستمتع بالموسيقى وربما أيضًا الغناء.
وتمضي فرق الانقضاض قدمًا تفش غلها، وتنفس عن غضبها اللذين لم ينجما بالضرورة عن خسارة "فريق الساجدين" (الفراعنة سابقًا قبل دخول الإسلام أرض الاستاد)، لكنهما يتفجران في كل مرة يطرأ طارئ وطني يتعلق الجميع بأحباله الذائبة ليفش غله ويكشف عن انتماءاته وقوائم أولوياته.
ونأمل من الله (سبحانه وتعالى) ألا يشتت هذا الانقضاض الرهيب الانتباه بعيدًا عن فتح ملف الفساد الفكري والثقافي والأخلاقي والمالي والديني الذي ينخر سوسًا، ويبخ سمومًا في ربوع المحروسة.