شخصية مجتمع فى كرة اليد..!

** اليوم حديث خاص بمنتخب شباب كرة اليد الفائز بالميدالية البرونزية فى كأس العالم، وهو حديث خاص لأن هذا الفوز بالبرونزية يحمل رسالة مهمة للمجتمع المصرى كله.. أرجو أن تصل..

** واليوم أيضا حديث خاص عن منتخب شباب كرة اليد، لأن الجديد فى هذا الفريق هو تلك الروح والإرادة التى لم تعرف الإحباط بعد ضياع فرصة لعب المباراة النهائية، وتحقيق حلم الفوز بكأس العالم، فقد كنا نخشى أن يؤثر ضياع تلك الفرصة على أداء لاعبى الفريق أمام البرتغال، إلا أن الأمر كان مختلفا، لعب الشباب بروح وقوة وفازوا بفارق 10 أهداف.

** الرياضة عموما ومنافستها العالمية والدولية بصفة عامة تعكس شخصية مجتمع.. والشخصية المصرية مطمئنة، وطيبة فى جذورها، وفى تاريخها، بتأثير حضارة النهر. هذا النهر الذى ظل آلاف السنين يجلب الخير إلى سكان الوادى.. فالمصرى لم يخرج إلى الغابات بحثا عن الصيد.. ولم يتسلق جبال بحثا عن الرزق.. ولم يتعرض للعواصف والبراكين والأمطار الغزيرة خلال خمسة آلاف عام.

** هذا مدخل للشخصية المصرية المطمئنة، التى تتحلى بالصبر والطيبة، ولكن ينطبق عليها: «اتق شر الحليم إذا غضب، وإذا تعرض للاعتداء». فهكذا تصدى المصريون للهكسوس بجيش أحمس. وتصدوا للتتار، وللمغول، ولألف غول.. وهزموا كل احتلال، وحافظوا على شخصيتهم ولغتهم، فلم يؤثر فيهم أى احتلال.. وحارب المصريون الإنجليز باللغة الفرنسية، ولم يتحدثوا الإنجليزية ولا الفرنسية بعد ذهاب الاحتلال.

** ياه.. كل هذا مقدمة حديث عن منتخب كرة اليد؟

** نعم.. فالرياضة تعكس شخصية مجتمع والتغييرات التى تحدث فى هذا المجتمع.. ومنها ومن أثارها ما حدث فى بطولة العالم فى إسبانيا، وما حدث قبلها فى بطولات أخرى وفى لعبات أخرى.. حيث ترتفع درجة الانفعال والتعليقات بكل نجاح على المستوى الرياضى الدولى والعالمى، رغبة فى المزيد. فالفريق استعد جيدا، وتم إعداده جيدا. وحقق 7 انتصارات كبيرة ومهمة، ثم لعب مع فرنسا وكان قريبا من الفوز والتأهل. إلا أنه بدا راضيا فى منتصف الشوط الثانى. أو بدا قانعا بالوصول للدور قبل النهائى، وضاع تركيزه، وأهدر انفرادات، وكاد أن يخسر بفارق كبير من الأهداف، لكنه استيقظ ثائرا وغاضبا، وعاد ليضيق الفارق إلى هدف واحد.. وهذا يختصر جزءا كبيرا من الشخصية..!

** أحيانا لا يصدق الرياضى المصرى أنه يستطيع. وأحيانا يكون واثقا من قدرته على أنه يستطيع.. النقطة هنا أن عليه أن يصدق دائما أنه يستطيع.. وبالطبع لا شىء بدون تدريب وبدون علم وبدون تخطيط وبدون إرادة، وتصميم. ولا شىء بدون كفاءة وموهبة ومهارة.. لكن ما ينقصنا رياضيا هو شراسة الأداء، وليس عنف الأداء. وجدية الأداء لأنه من جدية العمل والبناء.. وحضارة النهر جعلت الشخصية المصرية فى أحيان منتظرة قدوم الخير.. ومنتظرة الفوز، ولكن الفوز لا ينتظر وإنما يصنع..!

** اليوم عندنا أبطال فى لعبات فردية ومنها السباحة والإسكواش والأثقال والمصارعة والملاكمة والتايكوندو والرماية والسلاح، وأبطال فى لعبة جماعية هى كرة اليد، ونظمنا بطولة إفريقية لكرة القدم على مستوى عالمى، لأننا شعب يخوض كل التحديات ويهزم كل التحديات حين يـتأهب ويستعد ويستفز ويستنفر.. ومصر هى الأولى رياضيا على المستوى العربى والأولى رياضيا على المستوى الإفريقى ومن دول القمة رياضيا على مستوى البحر الأبيض المتوسط.. ونريد أن نكون ضمن الأوائل على مستوى العالم.. وسنكون إذا أردنا، وسوف نستطيع إذا عملنا ووضعنا خطط الإصلاح والتطوير لسنوات قادمة، دون انتظار لفيض النهر بالخير تحت أقدامنا.. !

التعليقات