سلامه ورحمته وبركاته..!
من أحمد السعدني إلى جينيفر لوبيز، وبينهما شيرين رضا، وقبلهما الأستاذة الراقصة، وبعد الجميع تبقى الأقواس مفتوحة إلى ما لا نهاية.
لطالما كانت التفاصيل الصغيرة لحياة الآخرين مثار حب استطلاع ورغبة عارمة في الاختراق ومادة ثرية للقيل والقال.
ويا سلام لو كان هؤلاء الآخرون من المشاهير، من عالم السياسة أو الفن أو الرياضة، يتحول حب الاستطلاع إلى شعور عارم بأن الاطلاع على هذه التفاصيل حق مكتسب وعدم الإفصاح عنها جرم لا يُغتَفر.
هل غفرت الراحلة زوجة أحمد السعدني له عدم تحمله المسئولية أم لم تفعل؟
وإذا كانت هي غفرت، فهل يا تُرى سيغفر له الله أم لن يغفر؟
وتدور الدوائر، وتُسن سكاكين التنظير، وتحتد أقلام الاتهام ودقات الكيبورد المنذرة له بعذاب أليم أو المبشرة له بصبر جميل.
جنون رسمي. هذا ما نعيشه على مواقع التواصل الاجتماعي، هو عين الجنون الجماعي. الرجل قرر أن يكتب بضعة أسطر، ربما على سبيل التنفيس أو إبراء الذمة أو رغبة في سماع وقراءة عبارات تشد من أزره أو غيره من الأسباب، فإذ بجموع الشعب المتدين بالفطرة تهرع لتداول التدوينة، وتحللها، وتفندها، ولا تكتفي بعبارة عزاء هنا أو طمأنة هناك، لكن توجه له اتهامات أو تعتبره من المبشرين من الجنة، كل بحسب توجهاته وأهوائه.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد! بل تطور لدرجة أن أمسك المعلقون والمعلقات في خناق بعضهم. فمنهم من طلب لها الرحمة، وله الصبر، هو تافه وسطحي، ومن اعتبره شخصًا غير مسئول، هو قاسي القلب ومتحجر المشاعر.
واكتملت المهزلة بدخول "الناس بتوع ربنا" على الخط، فهو مذنب لأنه يمثل، ويعانق النساء بحكم الأدوار وما حدث هو عقاب من السماء يحتم التوبة والاعتزال، والمهزلة تستمر.
مهزلة شبيهة بتلك التي مازالت رحاها تدور بسبب حفل عالمي لفنانة استعراضية عالمية هي جينيفر لوبيز. وبالمناسبة ستظل بغض النظر عن هرينا ولتنا وعجننا فنانة عالمية بحكم المعايير الدنيوية، أما مصيرها بعد يوم القيامة والحساب والثواب والعقاب فيبقى سرًا لا يعلمه إلا رب العباد.
ماذا ارتدت؟ وكيف يسمح لها أن ترتدي ملابس كتلك؟ وما ثمن التذاكر؟ وأليس من الأفضل أن يوزع ثمنها على الفقراء والمساكين ليشتروا لحمة وفراخا وسمكا؟ وبالطبع تم تداول صورة الوزيرات بالملابس البيضاء في الحفل بين مندد لائم، ومؤيد مشجع، ومردد لما يقال من قبل هؤلاء وأولئك، مشاركةً في الضجيج.
ضجيجنا الهادر على مواقع التواصل الاجتماعي يستحق الدراسة بالفعل. جميل جدًا أن نتفاعل مع الأحداث، ونعلق عليها، ونبث مشاعرنا، ونطرح أفكارًا، ونتبادل آراء، لكن أن يظل الأمر برمته مقتصرًا على الهبد والرزع، ويلف ويدور في مجال واحد لا ثاني له؛ حيث من سيدخل الجنة؟ ومن سيلقى في النار من هؤلاء؟ فهذا هبل وهطل.
ولدينا مثال آخر فيما قالته الفنانة شيرين رضا حول البهائم والأضحية التي تأكل القمامة وتساؤلها حول حكم تناولها، وهي زاوية كثير بيننا يتساءلون عنها؛ حيث التناقض الفج بين التقوى والإيمان والتدين الشديد فيما يختص بطقوس الأضاحي، وفي المقابل قلة تصل إلى درجة الانعدام فيما يختص بالنظافة والقواعد المعمول بها في التضحية.
وتابعنا جموع المتدينين والمتدينات وهم ينعتون رضا بأقبح الألفاظ والشتائم، ويطالبونها بالبقاء بعيدًا عن الدين الحنيف وفروضه وسننه السامية الرفيعة التي لا تفهمها، وذلك في تضاد مبهر لمحتوى الدين الحقيقي وما آل إليه على أيادي هؤلاء وألسنتهم.
وجميعنا يتذكر ما فعله سكان مواقع التواصل الاجتماعي بالأستاذة الجامعية التي حملت فيديو لها وهي ترقص! وطفل الحضانة الذي كان يستحلف إحداهن أن تتركه ينام ربع الساعة! والقائمة طويلة جدًا.
والحقيقة أننا نستحق درجة الدكتوراه الفخرية في إصدار الأحكام وإطلاق التحليلات والبت في شأن كشوفات النار والجنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (لاحظوا كلمات السلام والرحمة والبركة التي نرددها دون أن نعي قيمة أي منها).