ردوا السلام!!

مشهد مفرح بقدر ما هو مؤلم، المفرح أن تعود عفاف راضى للغناء فى حفل كبير، المؤلم أنها دار الأوبرا بدمشق، أكرر دمشق.

لا أحد يتهمنى بـ(الشوفينية)، كل ما أكتبه يكذب ذلك، ويدعو لتحطيم الحواجز، أنا مع غناء الفنان المصرى فى كل الأقطار العربية وبكل اللهجات والألوان الموسيقية، حتى الخلافات السياسية عليه أن يتجاوزها لأنه يغنى أساسا للشعب وليس للحاكم، مأساة أن تغيب عفاف راضى 17 عاما عن الحفلات الجماهيرية فى مصر، مأساة أكبر ألا تشعر حتى الآن الدولة بالخجل.

عفاف ولدت فنيا ونحن ندق أبواب عام 70، غنت (ردوا السلام) فى حفل الربيع الذى أحياه عبدالحليم حافظ، أطلقها بليغ حمدى بطموح مغاير لكل الأصوات التى سبقتها، فهى تجمع بين الغناء الشرقى والأوبرالى، وهو ما دفع الرئيس جمال عبدالناصر أن يطلب من الإعلام، كما ذكر محمد حسنين هيكل، الاهتمام بها، باعتبارها الصوت القادم، عفاف آخر من لحق بزمن النجوم أم كلثوم وفريد ونجاة وشادية.

الفنان مشروع اقتصادى لشركة إنتاج هكذا احتكر أغانيها (صوت الفن) لصاحبيها عبدالوهاب وعبدالحليم، ثم أنتجا لها الفيلم الذى أحدث فى منتصف السبعينيات نجاحا جماهيريا مدويا (مولد يا دنيا) للمخرج حسين كمال، بالفيلم ملحنون بحجم بليغ حمدى ومحمد الموجى ومنير مراد، كمال الطويل شارك بـ(طيب يا صبر طيب) لعبدالمنعم مدبولى، والبطولة لنجم النجوم محمود يسن، وعلى الفور قررت الشركة المسارعة بالمشروع الثانى، ومع نفس المخرج حسين كمال، وبسيناريو (السندريلا) للشاعر مرسى جميل عزيز الذى كتب كل أغانى (مولد يا دنيا)، وتعطلت بعدها لغة الكلام بسبب خلاف حول الأجر مع الشركة المنتجة، ولم تقدم فيلمها الثانى.

كان لها قطعا العديد من النجاحات الموازية فى المسرحيات الغنائية، يكفى أن (الرحبانية) عاصى ومنصور، عندما قررا إعداد مسرحية (الشخص) بنسخة مصرية، صعد على الفور اسم عفاف لتؤدى دور فيروز. صوت عفاف صنع كيميائية مع كلمات الشاعر سيد حجاب ونغمات الموسيقار عمار الشريعى، وقدموا أغانى للأطفال لتحقق نجاحا استثنائيا، وعددا كبيرا من الأغانى العاطفية، تقف على القمة (بتسأل يا حبيبى) فهى أشبه بدفقة خرجت من قلب حجاب والشريعى لتشع فيضًا من النور بصوت عفاف، وفى الوطنيات كمال الطويل (الباقى هو الشعب) التى واجهت تخوفا سياسيا، والبعض فسرها أنها تعنى نهاية الجيش، والدليل (الباقى هو الشعب)، تراجع عبدالحليم عن تسجيلها تحسبًا من عواقب سوء التفسير، لتنجح بصوت عفاف، وفى الشعبيات (عوج الطاقية) محمد الموجى وفى الغناء المرح (شبيك لبيك) منير مراد، وكانت من الذكاء عندما غنت لمحمود الشريف (تسلمى يا شدة)، كان الشريف يصف صوتها بالرقة المشوبة بالخجل، عفاف لم تتوقف عند جيل الكبار فقط بل غنت لكل الأجيال.

تعدد سنوات الغياب وتراكمها له قطعًا أسبابه، مع اعترافى بأنها فى مرحلة زمنية لم تعتزل لكنها اختارت العزلة، وتلك قطعًا مسؤوليتها، ويبقى أن تاريخها يكفى لكى تفتح أمامها مجددًا كل الأبواب.

أتصور أن وزيرة الثقافة، الفنانة د. إيناس عبدالدايم، سوف تُصلح هذا الخطأ الفادح الفاضح، وتسارع بإقامة حفل فى دار الأوبرا المصرية يليق بقامة وقيمة عفاف، ونرد لها السلام!!

(المصري اليوم)

التعليقات