إعادة الشيء إلى أصله في المدرسة!
لفت انتباهي عنوان من أربع كلمات، كان منشورًا على رأس تقرير صحفي عن التعليم، في صحيفة الأخبار صباح الإثنين من الأسبوع الماضي!
العنوان كان هكذا: المدارس خالية.. والسناتر ممتلئة!
ويعرف الجميع أن السناتر هي مراكز الدروس الخصوصية، التي ينشط المدرسون الخصوصيون فيها لشرح ما يجب أن يشرحوه في المدارس، وأنها لأسباب عديدة سوف أشير إلى بعضها حالاً، قد راحت تكسب المزيد من جمهورها بين الطلاب يومًا بعد يوم!
وهذه هي القضية الأكبر التي تواجه الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم.. فنجاحه في مهمته التعليمية التطويرية التي يتفرغ لها منذ مجيئه إلى منصبه، متوقف في تقديري إلى حد كبير على قدرته على نقل الازدحام من السناتر إلى المدارس.. وإذا شئنا الدقة قلنا إعادة وليس نقل الازدحام من السنتر إلى المدرسة مرةً أخرى.. ومن جديد!
وحتى نكون أمناء مع أنفسنا ومع الوزير، وحتى نكون موضوعيين في طرح هذه القضية، فالأمانة تقتضي أن نقول إنها قضية ليست سهلة، وأن حلها ليس متاحًا باليسر الذي قد نتصوره، وأن نقل هذا التزاحم الذي نتحدث عنه من مكان إلى مكان، ومن سنتر إلى مدرسة، ومن موقع إلى موقع آخر مضاد له، ليس بالسهولة التي يمكن أن يتخيلها البعض بيننا!
ففي وقت من الأوقات كان العكس حاصلاً، وكانت المدارس مزدحمة بالحضور من طلابها وتلاميذها، وكانت السناتر في المقابل خاوية أو خالية، وكان من النادر أن تصادف طالبًا يفتش عن مركز من مراكز الدروس الخصوصية يتلقى فيه درسًا خصوصيًا!
وهذا الوقت الذي نقصده لم يكن قريبًا، ولكنه كان بعيدًا نسبيًا، ويمكن أن يقاس بالعشرات من السنين دون أن يكون في الأمر أي مبالغة!
وقتها كانت المدرسة تقدم الخدمة التعليمية التي يبحث عنها كل تلميذ، وكان الطالب يجد في الفصل الدراسي خدمته التعليمية التي ينتظرها، وكانت الخدمة على مستوى من الكفاءة تشد الطالب أو التلميذ، ولا تجعله في حاجة إلى الذهاب للبحث عنها في أي سنتر!
وليس معروفًا منذ متى بالضبط بدأ مؤشر الإقبال يميل من الفصل الدراسي، حيث طبيعة الأمور، إلى القاعة التي تضم الطلاب والتلاميذ في السنتر، حيث الأمور مصنوعة وليست طبيعية، فالمدرسة تظل الأصل، والسنتر هو الفرع.. ليس معروفًا على وجه التحديد.. ولكنه ميل استغرق وقتًا بالتأكيد، ولأنه كذلك، فهو في حاجة إلى وقت يستغرقه للعودة إلى ما كان عليه!
ولا يزال العنصر الذي يمثل القاسم المشترك أعظم بين الفصل الدراسي، وبين قاعة السنتر، هو المدرس.. إنه العنصر المشترك، وهو العنصر الذي يؤدي إلى خلو الفصل الدراسي في المدرسة، ويؤدي في الوقت ذاته إلى ازدحام على باب السنتر!
وقد تكون المفاجأة أن المدرس يكون هو نفسه.. والمعنى أنه من المحتمل أن تجد مدرسًا في مدرسة من المدارس، لا يحضر في حصته الدراسية كثير من الطلاب ولا قليل، ثم تجده هو نفسه في سنتر مجاور للمدرسة، وقد توافد عليه كثيرون من طلابه واحتشدوا!
فلماذا يحدث هذا المشهد الذي يعرفه كثيرون منا، وإذا لم يكونوا يعرفونه، فإنهم يسمعون أنباء من أنبائه هنا مرة وهناك مرات؟!.. يحدث لأن المدرس يشرح بإخلاص في قاعة السنتر، ولا يقدم الإخلاص ذاته في شرح الدرس إذا وجد نفسه بين طلابه في مدرسته!
فما العمل؟!
العمل أن نسعى إلى أن يميل مؤشر الحضور، إلى حيث كان يميل زمان بين الطلاب في مدارسهم، وأن نؤمن بأن العمل على عنصر المدرس هو البداية.. ومن بعده يأتي عنصران آخران هما المدرسة ومعها المنهج، الذي سيكون على الطالب أن يدرسه.. ولكن المدرس يبقى الأساس، ففي بعض بلاد أفريقيا كان المدرس يتولى تعليم تلاميذه تحت الأشجار، وفي الهواء الطلق، وكان يستطيع تقديم خدمة تعليمية جيدة!
في إمكاننا بالمدرس المؤهل أن نعيد الشيء إلى أصله في المدرسة!