أوراق مهمة في حقيبة الثقافة
عقب التغييرات الوزارية الأخيرة، عقد الرئيس السيسي اجتماعًا مع الوزراء الجدد، بينما يمكن قراءة اهتمامات خاصة بالمرحلة المقبلة في قطاعات معينة، من خلال اجتماعات منفصلة اختص بها الرئيس وزراء محددين، ومن بينهم اجتماع الرئيس
مع وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم، في حضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي.والاجتماع يكشف عن "رؤية" في تنمية وتعزيز ما نملكه من وسائل، وما نقدر عليه من إبداع، وهو كثير، بل هو غزير وعميق، في المجال الثقافي.
وأرى أنه بوسع الوزيرة بعد الاجتماع أن تدعو إلى مؤتمر عام للمثقفين لكي تسمع ما يمكن أن يفيد الوزارة في رسم سياسات تعيد للثقافة بهاءها، وبالتالي قوتها في مصر وفي محيطها.
وأجدني أعود مرةً أخرى إلى كتاب " مستقبل الثقافة في مصر " للدكتور طه حسين الصادر سنة 1938، والذي طالب فيه بـ"أن تتعاون الدولة والشعب على تمكين المثقفين من أن ينتجوا فيضيفوا إلى الثقافة ويجددوها ويشاركوا في تنمية الثروة الإنسانية من العلم والفلسفة ومن الأدب والفن".. وأنه "لابد من أن يتعاون الشعب والدولة على أن تتجاوز الثقافة الوطنية حدود الوطن فتغذو أممًا أخرى قد تحتاج إلى هذا الغذاء المصري" في إشارة واضحة إلى إمكانات القوى الناعمة.
وكتب طه حسين: "ونحن عنصر ذو خطر في التوازن السياسي في البحر الأبيض المتوسط" و"تقصيرنا في ذات الثقافة شديد الخطر على مكانتنا السياسية والاقتصادية". وعند طه حسين تقوم الحضارة على الثقافة والعلم اللذين ينتجان بدورهما الثروة.
ويتضح من الاجتماع الرئاسي مع وزيرة الثقافة أن ثمة اهتمامًا كبيرًا بوضع خطة عمل وخارطة طريق لوزارة الثقافة للمرحلة المقبلة في سبيل تحقيق رسالة نشر الثقافة والفنون، وترسيخ الهوية المصرية، وتعزيز القيم الإيجابية داخل المجتمع.
وقد طلب الرئيس إعادة تأهيل قصور الثقافة على مستوى الجمهورية، واستعرضت الوزيرة جهود الوزارة للتحول الرقمي، وإعادة هيكلة الجهاز المركزي للوزارة والمجلس الأعلى للثقافة، وبرامج تطوير المؤسسات الثقافية، بما فيها منظومة القصور الثقافية، وتحدثت عن جهود الوزارة لتحقيق "العدالة الثقافية" على مستوى الدولة من خلال مد أنشطة الوزارة للمناطق الحدودية والنائية عبر القوافل الثقافية، المكتبات والمسارح المتنقلة، مثل مسرح "المواجهة والتجوال" الذي يجوب الجمهورية.
واستعرضت مشروع تنمية الموهوبين والمبدعين من خلال برنامج "ابدأ حلمك"، فضلًا عن جهود تعظيم القوى الناعمة لمصر من خلال الريادة الثقافية، إلى جانب حماية وتعزيز وتوثيق التراث الثقافي وتكريم المبدعين، والمشاركة في المبادرة الرئاسية "صنايعية مصر" لصقل جيل جديد قادر على تطوير الحرف اليدوية التقليدية، بالإضافة إلى تنظيم والمشاركة في مجموعة من الفعاليات الدولية المتنوعة داخل مصر وخارجها.
ربما لا يجذب الحديث عن الثقافة كثيرين من الأجيال الجديدة، بينما المحتوى الإلكتروني الذي يشغلهم هو بدوره محتوى ثقافي، هم يقرأون ويشاهدون ويسمعون ويتمتعون بوسائل أخرى، وسائل جديدة تأتي عبر الشاشات المضيئة الصغيرة في أيديهم، لكن ما بداخلها - متواضعًا أو عظيمًا- هو ثقافة، وما ينقل إليهم من معلومات وألعاب وأخبار وصور وأفلام ومقاطع وموسيقى وأغان، هي ثقافة ينتجها مبدعون غير تقليديين، لا ينبغي أن نقاطع هذه الوسائل وتلك المحتويات، وإنما نرى طرقًا للدخول فيها.
وقد لا نكون بحاجة إلى القراءة كما في الماضي، ولكن نحن بحاجة للقراءة بالوسائل الجديدة المرئية والسمعية.. مع عدم تغييب القراءة التقليدية في الكتب عن طريق مشروعات ثقافية تدرب النشء على القراءة.
لطالما اهتم المصريون بوزارة الثقافة منذ إنشائها سنة 1958، أيام الوحدة مع سوريا، وكان أول وزير هو ثروت عكاشة، وانتفضوا بشدة عندما جرى إدماجها في السبعينيات مع وزارة التعليم والبحث العلمي، وكتب أحمد بهاء الدين في "الأهرام" يكشف خطورة الدمج، خشية تجريف الثقافة وسط جو انفتاحي، وصفه هو نفسه في مقال آخر بـ "انفتاح سداح مداح".
وانضمت "الثقافة" لـ"الإعلام" قبل أن تعود كوزارة مستقلة، بجهود وزيرها محمد عبدالحميد رضوان.
وزارة الثقافة لا تصنع المبدعين أو الرموز، وليس بإمكانها ادعاء ذلك؛ لكن بوسعها أن تقدم الزاد الثقافي للمتعلمين وغير المتعلمين وللكتاب والفنانين، وإذا أخلت بهذا الدور تكون فقدت وظيفتها الأساسية ولم يعد لها دور أو وجود.
وكتب يوسف إدريس مقالاً في "الأهرام" في يوليو 1984 بعنوان: "أهمية أن نتثقف يا ناس" في دعوة صارخة لأهمية الثقافة وضرورتها، وأن الثقافة ليست حلية أو كماليات.
قد تسمع الوزيرة في المؤتمر، الذي أقترح عقده، ومن المثقفين مباشرة، عن كيفية مساعدة المبدعين على الإنتاج، وعن معاناة المسرح في مصر، فالقطاع الخاص مغلق تقريبًا، ومسارح الدولة لا تعمل إلا فيما ندر، وعن أزمة صناعة السينما في مصر في السنوات الأخيرة.. والحقيقة أن أزمة السينما بدأت منذ رفعت الدولة يدها من الإنتاج.. ويتفق كثيرون على ضرورة عودتها بشكل ما؛ لأن السوق موجودة، في الداخل برغم تناقص دور العرض، وفي الخارج مع توسع السعودية والإمارات في تدشين دور عرض جديدة.