لن يقبل به ليبي وطني واحد!
وصل إلى قبرص الجمعة الماضي، عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، على رأس وفد ضم عدداً من ضباط الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر!
الهدف من الزيارة، كما جرى الإعلان عنه، وكما يمكن تخمينه من تطورات الأحداث في المنطقة هو البحث في الطريقة الأنسب للتعامل مع تداعيات اتفاق التعاون البحري العسكري الأمني الذي عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع حكومة فايز السراج في العاصمة الليبية طرابلس!
كانت وكالات الأنباء قد نقلت عن المشير حفتر، قبل أيام، أنه سيقوم بزيارة إلى اليونان لذات الهدف، ولم يتحدد موعد زيارته بعد!
أما لماذا قبرص، ولماذا اليونان على وجه التحديد من بين دول الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط، فلأنهما الدولتان الأوروبيتان الأكثر تضرراً من الاتفاق التركي الليبي!.. وقد كانت اليونان الأكثر تحركاً من قبرص في مواجهة الاتفاق، عندما شرحت للعالم أن تركيا لا تحتفظ بحدود بحرية مشتركة مع ليبيا، وأن جزيرة كريت اليونانية تفصل بحرياً بين تركيا وليبيا، وبالتالي، فلا مجال للحديث عن اتفاق بحري بالذات بينهما، وإلا فإن كريت تصبح في عداد الجزر غير الموجودة!
وكانت اليونان الأكثر تحركاً أيضاً على المستوى الدبلوماسي اليوناني الليبي، عندما استدعت سفير حكومة السراج في العاصمة أثينا، وطلبت منه مغادرة البلاد خلال ٧٢ ساعة!
ثم كان أن تحركت الدولتان.. قبرص واليونان معاً.. على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي اجتمع في مقره في بروكسل، وحذر حكومة أردوغان من المساس بمصالح دولتين تتمتعان بعضويته الكاملة، وكذلك بحمايته في مواجهة كل أزمة تصادفهما!
ولكن.. تبقى مصر باعتبارها الدولة الثالثة التي تتضرر مصالحها من هذا الاتفاق، بحكم الجوار الجغرافي المباشر لها مع ليبيا التي ليست فقط دولة عربية بالنسبة لنا، ولا هي دولة شقيقة وحسب.. لكنها دولة جارة بينها وبيننا حدود ممتدة لأكثر من ألف كيلومتر!
ولأن القاهرة تعرف هذا، وتدركه جيداً، فإن حركتها في مواجهة الاتفاق وفي مواجهة محاولات التواجد التركي العسكري إلى جوار حكومة السراج كانت حركة ظاهرة ونشطة، وقوية.. كانت مع الجانب الأمريكي مرة، ومع الجانب الروسي مرةً ثانية، وكذلك مع الجانب الإيطالي مرةً ثالثة!.. وكانت الرسالة التي أرادت القاهرة توصيلها خلال كل خطوة من خطوات حركتها أنها لن تسمح لأي طرف إقليمي بتهديد مصالحها عبر ليبيا، وأن المجتمع الدولي مدعو بقوة إلى وضع حد للتدخل الخارجي في الأراضي الليبية؛ لأن عواقبه خطيرة على استقرار المنطقة كلها!
ومن المهم هنا أن يقال إن محاولات أردوغان دس أنفه في ليبيا لا تهدد المصالح المصرية وحدها، ولكنها تهدد المصالح العربية في مجملها؛ لأن الرئيس التركي يرتدي الثوب العثماني بحثاً عن موطئ قدم في مناطق متفرقة من عالمنا العربي.. إنه يتواجد مرة في قطر، ومرة أخرى في الصومال، ومرة ثالثة في السودان أيام عمر البشير، ومرة رابعة نجده يقفز في تونس، ومرة خامسة لا يستحي من مغازلة الجزائر، ومرة سادسة يتاجر بالقضية الفلسطينية ويتخذها مظلة للتواجد في غزة !
وفي حركته كلها يتصور أنه قادر على إعادة بعث مشروع الإسلام السياسي الذي سقط بسقوط مشروع الإخوان في مصر، ويتخيل أن هذا المشروع يمكن أن يكون رافعة تحمله إلى تحقيق حلم عثماني ساقط يراوده طول الوقت، ولا يفارقه في يقظة ولا في منام!
ولا يخلو الأمر من أطماع اقتصادية ضخمة تساوره أيضاً، سواء من خلال علاقته بقطر بكل ما لديها من احتياطي الغاز، أو من خلال اتفاقه مع السراج الذي يرأس الحكومة في بلد يملك الكثير من الغاز ومن البترول!
وفي ظني، أنه من المهم أن يوضع مشروعه في إطاره الطبيعي، وأن يكون مفهوماً أن محاولات تواجده في طرابلس ليست قضية تركية مصرية، بقدر ما هي قضية تركية عربية.. فالمشروع التركي في المنطقة هو واحد من ثلاثة مشروعات غير عربية، وكلها تجاهد لتطويق وحصار كل ما هو عربي!
المواجهة مع المشروع التركي لا بد أن تكون عربية مصرية، ولا بد فيما يتصل بالمسألة الليبية أن تكون على مستويات ثلاثة:
مستوى سياسي يعمل على شرح بطلان اتفاقه مع السراج؛ لأنه لم يُعرض على البرلمان الليبي المنتخب، ولم يوافق عليه هذا البرلمان ولا حتى ناقشه!
ومستوى قانوني دولي لا يتوقف عن بيان الصدام القائم بين الاتفاق ومبادئ القانون الدولي وقواعد قانون البحار المستقرة!
ومستوى عسكري يتولاه الجيش الوطني الليبي؛ باستهداف كل جندي تركي يتواجد على الأراضي الليبية.. فهذا التواجد يمس الكرامة الوطنية الليبية، ولن يقبل به ليبيٌ وطنيٌ واحدٌ.