مدنية فعلاً أم قولاً؟
هل نريدها مدنية فعلاً، أم نكتفى بالقول فقط؟ وهل ضربنا الهسْهس بدرجة جعلت تحكيم العقول والاحتكام إلى المنطق كفرًا وزندقة وعداء للدين ومحاولة للقضاء على المتدينين؟ أحمل كل الاحترام والتبجيل لكل «رجل» دين، فلا مجال لدينا بعد لـ«نساء» الدين.
والأسماء التى سيسارع البعض إلى سردها الآن من سيدات جليلات من الدارسات لعلوم الدين وما يصدر عنهن لسن «نساء دين»، بل يسرن فى ركب «رجال الدين» فيرددن ما يقولونه ولا يحدن عما يفتون به. لكن الإفتاء بحكم نزول الشارع بغرض الاحتجاج، أو التوجه إلى الميدان بهدف الاعتراض، أو الدعوة إلى اعتبار أحد رجال الدين الذين رحلوا عن عالمنا قبل ما يزيد على عقدين من الزمان «إمام التطوير والتحديث» الذى ينبغى أن نهتدى به ونلتزم بما قال، ناهيك عن أن ما قال من تكريه لبعضنا البعض لحكم أن هؤلاء كفار وأولئك مؤمنون، وتحريم نقل الأعضاء، وتصنيف النساء درجات لا بحسب أعمالهن وضمائرهن، ولكن بحسب ملابسهن وغيرها، ساهم بقدر غير قليل فيما نحن فيه الآن من هسْهس وإقحام لتفسيرات دينية خرج بها بشر للتحكم فى تفاصيل حياتنا الدقيقة بدءاً بدخول الحمام مرورًا بأنواع النكاح وانتهاء بمن نخرج عليه من الحكام ومن نخرج لتأييده.
نعود إلى السؤال: هل نريد مصر مدنية أم دينية أم خليطًا من هذا وذاك، نغرق فى هذا مرة حسب المراد ونميل إلى ذاك مرة حسب المبتغى؟ يخبرنا التاريخ أن الدول لم تتحرك من مكانها إلا بعد ما حسمت أمرها. أما أن تكون بين بينين فسنبقى محلك سر على أفضل تقدير أو ننزلق نحو الوراء على الأرجح.
وإذا كانت رياح يناير 2011 هبت علينا بما اعتقدناه فى البداية نسائم حق وخير وعدالة اجتماعية، فقد هبدتنا ورزعتنا أرضًا بتعرية هذا الكم المذهل من التجهيل والتديين الذى ضرب مصرنا فى غيبوبة، ظاهرها نورانى متدين لا يقول شركًا بل جزاك الله خيرًا، وينأى بنفسه عن أهوال «صباح الخير» ويجمع الحسنات فى دفتر الآخرة بـ«السلام عليكم» وفى أقوال أخرى «ساموعليكو». أما باطنها ومحتواها، فما عليك سوى فتح النافذة والنظر إلى الشارع لتجد هذه الكائنات النورانية وهى تتناحر بسب الدين والغش فى الميزان وإلقاء القمامة فى كل مكان وتحقير المرأة واعتبارها كائنات جنسية إما ننكحها غصبًا أو نحبسها عنوة واعتبار القوانين التى يفترض أن تحكم العلاقات بيننا هى والعدم سواء لأن المشايخ لم يفتوا بأن خرقها حرام.
حرام أن تبقى مصر هكذا، معلقة بين سماء التديين وأرض الواقع. هل كانت مصر كافرة حتى سبعينيات القرن الماضى؟ هل ظهر الإسلام فى هيئة جديدة فى مصر بعد الهجرة بنحو 1400 سنة؟ علينا أن نحسم أمرنا، وبحسب نتيجة الحسم نتخذ خطوات حاسمة حتى وإن بدت لبعض الناس مؤلمة فى بداياتها.