لو أحياها الدكتور مدبولي!
كانت حكومة الدكتور كمال الجنزوري الأولى، التي حكمت في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، تضم وزارة لشؤون المتابعة، وكان لهذه الوزارة نصيب كبير في نجاح كثير من الخطوات التي قطعتها تلك الحكومة في مقاعد الحكم وقتها!
تذكرت هذا عندما قرأت تصريحًا للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، يقول فيه أول هذا الأسبوع، إنه سيتابع الموقف على الطريق الدائري بنفسه، وإنه سينزل؛ ليرى على أرض الواقع ماذا فعل المحافظون الثلاثة الذين يقع الطريق في نطاق مسؤولياتهم!
وكان الدكتور مدبولي قد اجتمع مع محافظي القاهرة والجيزة والقليوبية، وطلب إزالة كل مظاهر العشوائيات على الدائري، سواء كانت مواقف عشوائية، أو كانت أماكن لإلقاء المخلفات، أو كانت فتحات لمرور المواطنين من خلال سور الطريق، وكانت المناسبة أن الحكومة تستثمر في الطريق حالياً سبعة مليارات جنيه، وأنها لن تقبل ببقائه على حالته الراهنة!
وما يهمني في هذه السطور هو وضع فكرة المتابعة في العمل العام، تحت أقوى ضوء ممكن، لعلنا ننتبه إلى أن حضورها في حياتنا كما يجب، يضمن نجاح الكثير من المشروعات في تحقيق أهدافها التي تسعى إليها.. ولا تزال وزارة المتابعة في حكومة الدكتور الجنزوري أقوى دليل في هذا الاتجاه!
وفي التشكيل السابق لحكومة الدكتور مدبولي، كانت وزارة المتابعة موجودة، وكانت تتبع الدكتورة هالة السعيد، مع ملف التخطيط وملف الإصلاح الإداري، وكان الحديث عنها في وسائل الإعلام يأتي عابرًا، أو على استحياء، وكان ملف التخطيط لدى الوزيرة يطغى بطبيعته على ملف المتابعة وعلى ملف الإصلاح الإداري معًا.. وكان هذا في حاجة إلى استدراك سريع!
وفي التعديل الذي جرى ديسمبر الماضي ذهب ملف المتابعة إلى رئيس الوزراء، ومعه ذهب أيضًا ملف الإصلاح الإداري، وكذلك ملف الاستثمار.. وهذه ملفات ثلاثة ضخمة وتحتاج إلى جهد كبير، وقد بدأ الدكتور مدبولي في إسناد مسؤولية كل ملف إلى شخص بعينه.. وقرأنا أن إحدى مساعدات رئيس الحكومة تولت مسؤولية ملف المتابعة، وأن رئيس هيئة الاستثمار تولى ملف الاستثمار، وأن الوزير السابق المهندس هاني محمود تولى مسؤولية ملف الإصلاح الإداري، مع إشراف عام على الملفات الثلاثة للدكتور مدبولي بطبيعة الحال!
وقد تمنيت لو أن السيدة التي عهد إليها الرجل بملف المتابعة، قد رفعت عنه عبء متابعة العمل على الطريق الدائري، ليس لأنه لن يستطيع أن يتابع، وليس لأنه لن يكون قادرًا على القيام بهذه المهمة، ولكن لأن عنده من المهام الكثير، ولأن على كل واحد من المسؤولين الثلاثة أن يقوم بعمله في مكانه!
ثم إن رئيس الحكومة إذا تمكن من متابعة العمل على الطريق الدائري، فلن يجد الوقت ولا الجهد لمتابعة سواه من الملفات، بحكم محدودية الطاقة والوقت لدى البشر!
إن المليارات السبعة التي ستنفقها الدولة على طريق دائري بهذه الأهمية، تبقى في حاجة إلى متابعة حقيقية ويومية، حتى يمكن أن يكون الطريق بعد تطويره، مختلفًا بشكل فعلي عنه قبل تطويره، وحتى يمكن إنفاق كل جنيه من هذا المبلغ في مكانه الصحيح!
فكرة المتابعة المستمرة في المشروعات العامة كلها لا تزال فريضة غائبة لدينا، وهي كفكرة الصيانة في المباني القديمة وفي كل مبنى حديث، وفي غيابهما عن حياتنا لا نستطيع تحقيق الأهداف من وراء كل مشروع، ولا نستطيع تجسيد جانب من فكرة التراكم بمعناها المفترض!
إنني أتمنى لو أشار الدكتور مدبولي في التعديل الحكومي المقبل، بإحياء تجربة الدكتور الجنزوري في هذا الشأن، فهي وحدها كفيلة بالإبقاء على ملفات عمل الحكومة حية في حياة الناس أولاً بأول!