عبدالوهاب.. ممنوع اللمس!
بعد تسعة أيام تحل ذكرى ميلاد الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب رقم (119)، بالطبع عبدالوهاب فى حياته لم يكن يذكر سوى يوم ميلاده 13 مارس، وكعادة أغلب المشاهير يحيل عام الميلاد إلى سر حربى ويختصر من الحساب الرسمى أكثر من عشر سنوات، أم كلثوم أيضا كانت تنافس عبدالوهاب فى هذا الأمر.
اختار اتحاد النقابات الفنية المصرى، قبل ستة أعوام، هذا اليوم، ليصبح عودة لعيد الفن الذى أقيم فى عهد أنور السادات، وتوقف أكثر من 30 عاما فى زمن مبارك.
كان عبدالوهاب فى حياته لا يطيق أبداً الصمت الإعلامى، وكان يعتبره هو والموت سواء، ولهذا ظل، وحتى اللحظة الأخيرة، داخل بؤرة الأضواء، إنه بالتأكيد ملحن مجدد واستثنائى فى عالمنا العربى فهو (ملحن الملحنين)، وعلى مدى أكثر من 70 عاماً ظل هو الألفة، وتبوأ تلك المكانة رغم تعدد الألوان والأنماط الغنائية التى عاصرها.
عندما سرت قبل نحو خمسين عاما موجة بين المطربين والمطربات لإعادة تقديم أغنياته القديمة، واعتقد بعض مريديه أن هذا يغضبه، فقال إنه سعيد بأن يستمع إلى أغانيه القديمة بأصوات الشباب فهو المنتصر فى الحالتين، لأنهم لو أجادوا غناءها أفضل منه فسوف يتذكر المستمعون الأغنية القديمة، وربما أعادوا سماعها بصوته، وإذا أخفق المطربون فإن المستمعين سوف يترحمون على جمال صوته ويزدادون تعلقاً به.
اعتزل عبدالوهاب، منذ منتصف الخمسينيات، الغناء فى الحفلات، واكتفى بتسجيل أغنياته فى الاستوديو وطرحها على أسطوانات ثم أشرطة، وبعد أن وهن صوته لجأ إلى حيلة «من غير ليه» التى سجلها بصوته على العود وهو يجرى بروفات مع عبدالحليم فى مطلع عام 1977 وقدمها عام 1989، وكأنه يغنيها فى نفس العام، بعد أن استعان بمهندس الصوت زكريا عامر الذى رحل عن عالمنا قبل عامين، وتولى تركيب صوت عبدالوهاب أثناء البروفة على الفرقة الموسيقية، ولعب وقتها الكاتب الصحفى والإعلامى الكبير مفيد فوزى مهمة الترويج لتلك اللعبة الذكية، كل ذلك من أجل أن يظل حاضراً ليس فقط فى التاريخ، ولكن فى اللحظة الراهنة، حيث إنه قبل رحيله بأيام فى 4 مايو 1991 كان قد لحن لنجاة قصيدة «أسألك الرحيلا» شعر نزار قبانى، وقتها كان قد أكمل التسعين من عمره فهو طبقا لما يُجمع عليه أغلب المؤرخين من مواليد عام 1901.
الملحوظة الجديرة بالتأمل أن لعبدالوهاب عشاقا ومريدين كُثر، وجمعية تحمل اسمه، ولكن كان بين عبدالوهاب ورجل الشارع مسافة ما يغلفها إحساس بأنه فنان أرستقراطى غير قابل للمس، رغم أنه نشأ فى حى «باب الشعرية» وكان من مريدى سيدى الشعرانى.
هل يفتقد الجمهور الآن حالة الحميمية مع عبدالوهاب، رغم أنه كان فى حياته ابن نكتة ساخراً وساخناً.
الناس دائماً ترسم صورة ذهنية للفنان وتتناقلها عبر الأجيال، وصورة عبدالوهاب الراسخة فى الوجدان الجمعى أنه فنان أرستقراطى بينما مثلا أم كلثوم عند الناس هى بنت البلد سريعة البديهة الشهمة الجدعة.
عندما يأتى يوم ميلاد عبدالوهاب، أظنها فرصة مواتية لكى نعيد إليه بعض ما يستحقه من سخونة فى الشارع العربى، ونسقط يافطة ممنوع اللمس!!
(المصري اليوم)