مشروع "الصحوة الأخلاقية"

كان المد الشيوعي في حقبة السبعينات من القرن الماضى هو الهاجس الأكبر للعديد من الجماعات الدينية و بعض الأنظمة العربية و الإسلامية و قد وصل الهاجس إلى أقصاه عند غزو الإتحاد السوفيتي لأفغانستان، فعلى الفور إنطلق في المملكة العربية السعودية ما يسمى بمشروع "الصحوة الدينية" و الذي كان بالأساس موجه حسب قول أصحابه لإيقاظ الناس من غفوتهم.

لم تمر بضعة شهور حتى تحول المشروع إلى حركة فكرية إجتماعية و لكن لا يعلم الكثيرون أن الصحوة نفسها كانت مشروعا أسسته جماعة الإخوان المسلمين في مصر و انتقل بعدها إلى المملكة حيث تبناه وقتها الملك فهد و أصبح له دعائم مالية بترولية، بعدها تحولت القضية إلى قضية دولية دعمتها الولايات المتحدة بغرض إرسال الإسلاميين إلى أفغانستان لمساعدة ما أسموهم بالمجاهدين لمقاومة الإحتلال السوفيتي و بذلك تحول مشروع الصحوة الدينية إلى مشروع دولى تدعمه الولايات المتحدة سياسيا و دول الخليج ماليا و معهم النظام المصري وقتها فكريا و معنويا.

مرت أربعون سنة و أصبحت نتائج هذا المشروع كارثية على مصر و الشرق الأوسط بل لا أبالغ ان قلت على العالم أجمع، فلقد أصبح رموز الصحوة أوصياء على الدين يعتقدون أنهم يمتلكون مفاتيح الجنة و النار و أصبحوا يمتلكون كل الوسائل التى تمكنهم  من نقد كل من هو مختلف معهم و على الجانب الآخر لم يستطع أحد من المختلفين  أن ينتقد المنطلقات الفكرية لهم ويأمن على نتائج ما قام به بل قد يصل الأمر إلى التنكيل و  الإغتيال المعنوي أو حتى الإغتيال الجسدي كما حدث مع الدكتور فرج فودة.

و لكن على الجانب الأخلاقي هل استطاع مجتمع الصحوة تحسين القيم الأخلاقية؟ الإجابة قولا واحدا "لا" بل على العكس فلقد اختفت قيم المجتمع و تراجعت فكرة الدولة القومية و حلت محلها فكرة رجوع الخلافة و استبدلت أفكار الحداثة و العلم و التكنولوجيا بشعارات التجارة بالدين كما هو الحال في الشعار الإخواني "الإسلام هو الحل"

أما على مستوى الشارع المصري فحتى بعد نجاح مشروع  تحجيب المرأة ازداد التحرش بالنساء و الفتيات و أصبح الإنحطاط الأخلاقي هو عنوان المرحلة و لقد قام المصريون بالخطوة الأولى لإنهاء مشروع الصحوة الإخواني بعد طرد الجماعة من الحكم في ثورة ٣٠ يونيو و لكن تتبقى خطوات عديدة أهمها أولا التخلص من مفارخ الأفكار المتشددة التى مازالت تنتج هؤلاء و ثانيا استعادة الهوية التى كانت قد استبدلت في السبعينات بمسخ لا يمت للشخصية المصرية الأصيلة بصلة  أما ثالثا و هو الأهم،  إطلاق  مشروع فكري اجتماعي ثقافي بديل يمكننا أن نطلق عليه مشروع "الصحوة الأخلاقية" و الذي به نستطيع أن نستعيد القيم المجتمعية التى تلاشت و التى منها الصدق و المروءة و الأمانة في العمل و إحترام المرأة و تبجيل الكبير و رحمة الضعيف إلى آخر كل هذه الصفات  التى تجعلنا جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية.
لذلك و من منبري هذا أدعو الدولة أن تطلق هذا المشروع، مشروع "الصحوة الأخلاقية" و على رأي أمير الشعراء:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

التعليقات