(حمار وحلاوة)!

تعودت أن أصحو مبكرا وأنزل الشارع أجلب احتياجاتى، لاحظت أن بائع البطيخ يحضر معه يوميا زجاجة زيت يضع قطرة منها على كل بطيخة، ثم ينشرها على السطح من أجل إثارة شهية الزبائن، هناك اعتقاد راسخ أن البطيخة لامعة القشرة، هى الأجمل (حمار وحلاوة).

هذا العام وجدت لمعانا لا يتواءم مع حقيقة طعم البطيخ، افتقد أغلبه المذاق الحلو، (الصيت ولا الغنى)، الأغلبية صاروا من أهل الصيت، والمرادف العصرى له (التريند)، إنه يشبه الزيت الذى يتم رشه على البضاعة.

دأب البعض على الاستعانة بجيوش إلكترونية، من أجل (التريند)، الطبيعة البشرية تفضل بنسبة كبيرة، السير وراء ما تقرره الأغلبية، الإنسان يميل أكثر للوقوف فى الطابور الذى سبقه إليه آخرون، الناس تثق فى ذائقة الناس، فى العادة عندما يُعرض أكثر من فيلم جديد، ويجد المتفرج نفسه فى حيرة يجعل القرار النهائى لما يُسفر عنه الطابور، يختار الأطول ليقف خلفه ويقطع تذكرة الدخول، إنها سطوة قانون الزحام.

كثيرا ما احتدمت المعارك بين النجوم حول الإيرادات، عادل إمام منذ الثمانينيات كان يحرص فى حجرته بالمسرح أن يكتب على (السبورة) الأرقام التى تحققها أفلامه ومسرحياته، والأخرى التى كانت من نصيب منافسيه، عادل كان له دائما وبفارق كبير الرقم الأعلى، من يدخل إلى حجرته سيطالع أول شىء تلك الوثيقة، ليدرك أنه فى حضرة الزعيم. الأرقام لا أمان لها، فى مرحلة لاحقة تفوقت عليه تباعا إيرادات أفلام محمد هنيدى، ثم محمد سعد ثم أحمد حلمى، إلا أنه لم يفقد مكانة الألفة، بات التليفزيون فى السنوات العشر الأخيرة، ملعبه الوحيد، رغم أنه لا يزال يشكل عامل جذب سينمائى، فهو الأعلى فى التوزيع الخارجى. الوسط الفنى فى علاقته بـ(الميديا) لا يتعامل فقط بالأرقام، بل قد يرسل زخات متلاحقة من الأخبار الدعائية، إلا أن المسافة كثيرا ما تتسع بين التوقع والواقع، وتأتى غالبا الحقيقة صادمة.

الفنان إذا أراد الاستمرار، عليه أن يملك القدرة على القراءة الصحيحة للخريطة، ولا يتعالى أو ينكر حقيقة، كان نور الشريف ومن بعده محمود حميدة هما الأقدر على استيعاب تلك المفردات، نور كان يقبل أحيانا بكتابة اسمه تاليا لنجم كان هو فى الماضى يسبقه، فعل ذلك مع عادل إمام ومحمود عبد العزيز، فى بدايات المشوار، كان هو يسبقهما، ثم صعد اسما عادل ومحمود وصارا الأكثر طلبا، فوافق أن يسبقاه.

أتابع فنانا، لم يتحقق كنجم شباك، كثيرا ما يعتذر عن أدوار هامة، لأنه لا يرضى أن يسبقه من يراهم أقل منه موهبة، الموهبة ليست هى بالضبط المعادل الموضوعى للنجومية، وإذا لم يستطع الفنان إدراك ذلك مبكرا، وتعامل بشفافية مع حقيقة الأرقام وما تفرضها عليه، سيصحو يوميا وهو يتابع أسهمه وهى تهبط فى سوق الفن، يقبل بطولة فيلم متواضع لأن اسمه سيتصدر (التترات) ويرفض آخر لأنه سيحل ثانيا بعد نجم الشباك، يبدد طاقته ويضع زجاجة زيت كاملة على قشر البطيخ، ليكتشف الزبائن، بعد إعمال السكين أنها (لا حمار ولا حلاوة)!!.

(المصري اليوم)

التعليقات