مرآة الواقع العربى
قام جانب من الدنيا ولم يقعد بعد منذ الإعلان عن إقامة علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل. هذا الجانب أخرج أسطوانات «العرب باعوا القضية» «لك الله يا فلسطين» «واقدساااه» من الدرج، الذى كادت خيوط العنكبوت تسدها تمامًا وأتربة الصراعات العربية العربية وجرائم الإسلام السياسى تعلنها فعلًا ماضيًا لم يعد له وجود. وجود إسرائيل فى المنطقة «العربية» «المتاخمة لتركيا وإيران» شوكة عمرها «الرسمى» 72 عامًا، لكن العوامل التى أدت إلى التأسيس عمرها أكثر من ذلك. وعلى مدار هذه السنوات الطويلة صال العرب وجالوا فى حروب وصراعات وعمليات مقاومة، ومنها إلى معاهدات سلام أبرمتها مصر (قبل الهنا بسنة)، وتبعتها تيارات ممانعة حينًا ومعاقبة لمَن أبرم المعاهدة أحيانًا. ومن الممانعة والمعاقبة إلى افتتاح مكتب تمثيل تجارى لإسرائيل فى الدوحة فى عام 1996، على الرغم من أن قطر ليست دولة من دول المواجهة، التى قد تضطرها الظروف والضغوط لذلك آنذاك. ولدينا كذلك تاريخ وحاضر منتعشان مزدهران من العلاقات الاقتصادية التجارية التى قلَّما يسلط الضوء عليها، حيث بلغت قيمة الصادرات التركية إلى إسرائيل فى يونيو الماضى 378.73 مليون دولار أمريكى، مقارنة بـ259.91 مليون دولار فى مايو 2020! أما السياحة الإسرائيلية إلى تركيا فقد ظلت حديث الخبراء والعاملين فى مجال السفر والسياحة باعتبارها من أنجح وأكثر حركات السياحة ازدهارًا.
وظلت تركيا الوجهة السياحية المفضلة للسياح الإسرائيليين على مدار سنوات طويلة، وحتى بعد هجوم «كوفيد- 19»، وعقب إعادة فتح حركة السفر، تشير التقارير إلى أن تركيا مازالت تجذب السياح من إسرائيل. وفى خضم كل هذا «الاعتياد»، ورغم ما يزيد على سبعة عقود لم تتحرك فيها القضية الفلسطينية قيد أنملة لصالح الشعب الفلسطينى، بل حدث العكس، مازال هناك مَن يتمسك بتلابيب الحنجورية، ويعتمد الشماعات البلاستيكية ركيكة الصنع منهجًا وعقيدة. وبين حنجوريى «على القدس رايحين شهداء بالملايين»، هتاف الإخوان وأبناء عمومهم ممن ضلوا الطريق، ومازالوا، ولا يصوبون حناجرهم وخناجرهم إلا إلى الداخل العربى، وحنجوريى «باعوا القضية»، المُحلِّقين فى سماء الخيال، يتم تناول تحرك الإمارات وإسرائيل باعتباره الكارثة التى ستضيع القدس وتشرد الملايين وتهدم المجد العربى، الذى كان يسير فى طريق إلقاء إسرائيل فى البحر. وبعيدًا عن استمرار كون إسرائيل شوكة فى حلق كل عربى، وستستمر إلى أبد الآبدين، فإن هؤلاء يتعامون عن حقيقة أن مثل هذه العلاقات ليست جديدة، بل راسخة فى الخفاء لدى دول تقدم نفسها للمغيَّبين باعتبارها حامى حمى القضية. الإمارات لا يخفى دورها خلال الفترة الماضية فى العمل على وقف ضم «ما تبقى» من أراضٍ فلسطينية، وهو الضم الذى كان سيُعجِّل من وضع كلمة النهاية أمام «حلم» الدولتين. غاية القول جملتان: «نِهْدَى شوية كده ونبص فى مرآة الواقع»، و«عدم تسليط الأضواء الإعلامية الغربية يوميًا على العلاقات القطرية والتركية الوطيدة جدًا بإسرائيل لا يعنى عدم وجودها».