ليالى الأنس فى (طُرة)!
فى فيلم (الأفوكاتو) 1983 لأحد عباقرة السينما المصرية رأفت الميهى، قدم المحامى (حسن سبانخ) عادل إمام، والثرى النصاب صلاح نظمى، وقد أحالا السجن إلى فندق سبع نجوم كامل من مجاميعه، اعتبرناها شطحة (فانتازيا) تجاوزت الواقع على عادة مخرجنا الكبير. قبل أيام روى الموسيقار هانى مهنى، فى لقاء مع يوسف الحسينى، كيف كان يقضى الأشهر الستة التى أمضاها مسجونا مع (علية) القوم، أمثال علاء وجمال مبارك وحبيب العادلى وطلعت مصطفى وأحمد عز وغيرهم، وأشار إلى المكان مترامى الأطراف الذى كانوا يقضون فيه أيامهم السعيدة، فهو أساسا يتسع لمئات من المسجونين، إلا أنهم كانوا يعيشون بمفردهم، لديهم ملعب كرة وجيم وساونا، وربما أيضا حمام سباحة وكل سبل الحياة الرغدة، كان قصرا منيفا من الممكن أن ترمح فى حديقته الخيول.
هل حقيقى كل ما ذكره هانى أم أنه أراد أن تصل رسالته لبعض الشامتين، وما أكثرهم بين الموسيقيين، أن ما يعتبره البعض بمثابة نقطة مخجلة فى حياته، هو يعدها وساما على صدره، حيث التقى بكل هؤلاء الكبار؟ أين كان سيتاح له اللقاء لولا ضربة الحظ تلك؟.
سبق لمهنى أيضا قبلها ببضعة أسابيع أن أكد تعجبه من اقتحام مطربى المهرجانات بدون دعوة لحفل زفاف ابنته هنادى إلى أحمد خالد صالح، وعندما غضب المطربون الذين جاءوا مجاملة له وللعريس والعروس، فاضطر للتراجع عن أقواله، هل سيفعلها أيضا هذه المرة؟.
السجن فى كل العالم (تأديب وتهذيب وإصلاح)، وهو شعار بدأ استخدامه فى القرن التاسع عشر، ومن أشهر المساجين فى التاريخ الأديب الروسى الشهير ديستوفسكى قد صرح قائلا بأننا نقيس حضارة وتقدم الشعوب بأسلوب معاملتهم للسجناء، أنه صاحب (الجريمة والعقاب) و(الأخوة كرامازوف)، وكتب عن تجربة السجن رواية (مذكرات من منزل الأموات)، عاش خمس سنوات بسبب مواقفه السياسية فى حجرة خانقة 300 متر تحت سطح الأرض. لا أعرف على وجه الدقة كل الملابسات التى أدت بالموسيقار الكبير إلى السجن، محاميه الأشهر فريد الديب كان موقنا يوم النطق بالحكم أنه حتما سيحصل على البراءة، ذهب مهنى للمحكمة مرتديا البدلة كاملة، ونطق القاضى بالحكم خمس سنوات سجنا مشددا، وبعدها تمت تسوية الأمر مع البنك حصل على الإفراج بعد ستة أشهر.
لم يكتف فقط مهنى بهذا الحديث مع ابنى الرئيس الأسبق، ولكنه تناول عيد الفن الذى أوقفه مبارك طوال 30 عاما، فترة حكمه، الغريب أن الذى أعاد الاحتفال بالعيد يوم 13 مارس 2014 هو هانى مهنى بصفته وقتها رئيس اتحاد النقابات الفنية، ووزع الأوسمة الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، وشاهدنا فاتن وماجدة ومحمود ياسين ونور الشريف واستمعنا لصوت شادية ونادية لطفى وغيرهما. نفى علاء وجمال أن مبارك كان يكره الفن، بل أشارا إلى أنه سميع لأم كلثوم وعبد الوهاب، ولم يوضحا لماذا ألغى العيد الذى أقره أنور السادات يوم 8 أكتوبر، وذلك منذ عام 76؟، ما تردد وقتها أن الحفل الأخير لعيد الفن 1980 أناب الرئيس أنور السادات نائبه حسنى مبارك لتوزيع الجوائز، فأعلن الفنانون احتجاجهم، لم يحتجوا على شخص نائب الرئيس، ولكنهم أرادوا حضور الرئيس، فأضمر مبارك فى نفسه عندما اعتلى كرسى الرئاسة وألغى العيد.
أطلق ديستوفسكى على سنواته الخمس بالسجن (مذكرات من منزل الأموات)، مهنى سيطلق على شهوره الست (ليالى الأنس فى طُرة)!!.
(المصري اليوم)