قراءة فى فكر محمد إقبال

الضوء يأتى من الشرق. إنه ليس فقط ضوء الشمس الذى يسرى من الشرق إلى الغرب، بل هو أيضاً نور الحضارة الذى يبزغ من الشرق ليضىء الغرب.

هكذا رأى «مولانا جلال الدين الرومى» خريطة النور فى العالم، وهكذا رآها الشاعر والفيلسوف الباكستانى محمد إقبال بعد سبعمائة عام.

ولقد واصل «إقبال» رؤيته فى أن لدى الشرق من الحكمة ما يحتاجه الغرب، وفى عام 1923 أصدر ديوانه الشهير «رسالة الشرق» ليجادل ديوان «الشرق والغرب» لشاعر ألمانيا الكبير «يوهان جوته».

كان تأثر «إقبال» بجلال الدين الرومى كبيراً، فمنه أخذ الجانب الروحى فى مشروعه الفكرى. يصف إقبال تأثره البالغ بالرومى قائلاً: «صيّر الرومى طينى جوهراً.. من غبارى شاد كوناً آخر». وتصف باحثة روسية إقبال بأنه «رومىّ هذا الزمان».

ولد «محمد إقبال» فى الهند عام 1887 ورحل عام 1938، وقد عاش حياة كثيفة ثريّة. وهى حياة يسميها البعض «الحياة العريضة» حيث يقاس العُمر بالعرض لا بالطول. وكان الفيلسوف ابن سينا يقول: «اللهم إنى أسألك عُمراً عريضاً».

تعرض هذه السطور لجوانب من الحياة العريضة للشاعر الفيلسوف محمد إقبال، الذى ارتبط اسمه بتأسيس دولة باكستان، وكتبَ من الشعر (12) ألف بيت.

أولاً: الإطار الفكرى لتأسيس باكستان.. كانت باكستان وبنجلاديش جزءاً من الهند، وفى عام 1947 تأسست دولة باكستان من جزأين، الجزء الشرقى هو بنجلاديش والجزء الغربى هو باكستان. وفى عام 1974 انفصل الشرق وأصبح دولة بنجلاديش، وأصبح الجزء الغربى دولة باكستان.

قبل الانفصال كان المسلمون جزءاً رئيسياً من شبه القارة الهندية. كان الفيلسوف الجزائرى «مالك بن نبى» وآخرون يروْن أنّ عدم الانفصال كان أفضل. ولو أنّ المسلمين استمروا مع الهندوس والديانات الأخرى فى دولة ديمقراطية كبيرة لكان أكثر إفادة. ثم إن تأسيس باكستان على أساس الهوية الدينية كدولة للمسلمين عام 1947، قد أعطى المبرر لتأسيس إسرائيل على أساس الهوية الدينية كدولة يهودية عام 1948، بعد عامٍ واحدٍ من تأسيس باكستان.

يرى هذا الرأى أن عدد المسلمين فى الهند عام 2020 يقارب الـ(200) مليون مسلم، كما أن عدد السكان فى باكستان أكثر من (200) مليون نسمة، ويصل عدد سكان بنجلاديش إلى أكثر من (160) مليون نسمة، وهو ما يعنى وجود أكثر من نصف مليار مسلم فى شبه القارة الهندية. ولو أن هؤلاء استمروا مع الهندوس فى دولة واحدة لكان المسلمون المكوّن الثانى فى القوة الهندية العالمية الصاعدة. لكن ذلك التفكير لا يلقى قبولاً لدى باكستان أو بنجلاديش، حيث أصبحت بنجلاديش دولة مستقلة لقرابة نصف القرن، وأما باكستان فقد أصبحت الدولة الإسلامية النووية الوحيدة فى العالم، كما أنها حققت مكانة كبيرة، ومن بين مواطنيها من حصل على جائزة نوبل فى العلوم، وتضم باكستان نخبة اقتصادية وثقافية رفيعة.

كان تقدير «محمد إقبال» حين طرح فكرة تأسيس دولة مستقلة للمسلمين قائمة على «الخروج الآمن» من ثنائيات صعبة كان بإمكانها العصف بالمسلمين جميعاً فى ذلك الوقت. يتحدث «إقبال» عن تمزق المجتمع المسلم بين اتجاه صوفى متطرف، يدعو إلى إفناء الذات فى إطار عدمى لا يقدم شيئاً من أجل الحياة أو المستقبل. وبين اتجاه مادّى غربى لا يريد الإسلام ولا يحفل بوجوده ولا يرحب بدوره.

كما أن المجتمع المسلم فى باكستان كان أسير قوتين ضاغطتين: قوة الأغلبية الهندوسية داخل المجتمع الهندى، التى حاولت تفكيكه وتذويبه، وقوة الاستعمار البريطانى التى سعت إلى تحلله، وربطه بالمستعمر، فى تبعية مشينة، تنهى أى هوية أو كرامة. ثم إن قوة ضاغطة أخرى كادت تعصف بعدد أكبر من المسلمين وهى الطوائف الدينية المستحدثة مثل «القاديانية» التى روّجت لأفكارها المتعلقة بأن النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) ليس آخر الأنبياء، وأن «أحمد القاديانى» هو خاتم الأنبياء.

كانت محاولة الابتلاع الاستعمارى والهندوسى، ومحاولة الإرباك القاديانى، وعمليات التشويش العقائدى من الديانات والمذاهب المستحدثة، فضلاً عن سوء أوضاع المسلمين، وتدهور مستوى حياتهم.. وراء دعوة إقبال إلى إنشاء وطن مستقل للمسلمين. من أجل حفظ الذات، وعدم الذوبان أو الصراع مع الآخر.

لقد أصبح «محمد إقبال» «البطل الفكرى» للاستقلال الباكستانى، وباتَ ضريحه مقصداً للزوار والسيّاح، كما يحمل مطار لاهور اسم «مطار العلامة إقبال الدولى».

ثانياً: الأصل السماوى للإنسان.. إن السماء هى الموطن الأصلى للإنسان، والجنّة هى الوطن الأول له. فهناك نشأ وعاش «آدم» و«حواء»، ثم انتقلا من «الموطن السماوى الأصلى» إلى «الموطن الأرضى الجديد».

يقول ابن الجوزى: «الجنة إقطاعنا، وإنما خرجنا منها مسافرين»، «كان آدم إذا رأى الملائكة تصعد حنّ إلى الوضع الأول».

فى قصيدته الأشهر «حديث الروح» التى قامت بغنائها السيدة أم كلثوم، ولحنها الموسيقار رياض السنباطى. يروى محمد إقبال شكوى إنسان «كائن أرضى» قام بتوجيهها إلى السماء. العنوان الأصلى للقصيدة «الشكوى وجواب الشكوى».. حيث يشكو الإنسان إلى السماء، فتبدأ الأفلاك بسماع أنين الشكوى، «وقال البدرُ هذا قلب شاكٍ»، وهكذا حتى «أهاج العالم الأعلى بكائى».

تبدأ القصيدة:

حديث الروح للأرواح يسرى وتدركه القلوبُ بلا عناء

هتفتُ به فطار بلا جناحٍ وشقّ أنينُه صدر الفضاء

ثم يروى «إقبال» استقبال السماء للشكوى، حيث لم يتعرف على صاحب الشكوى «الإنسان الأرضى» سوى الملاك «رضوان» خازن الجنّة.. ذلك أن «رضوان» و«آدم» يعرفان بعضهما من الجنّة، ومن الطبيعى أن يتعرف «رضوان» على صوت الإنسان القادم من أحد أحفاد آدم، حيث سبق لهما الإقامة داخل الجنة فى سابق الأزمان. يقول إقبال:

ولم يعرف سوى رضوان صوتى وما أحراه عندى بالوفاء

ألم أكُ قبلُ فى جنات عدن فأخرجنى إلى حينٍ القضاء

إن قصيدة «حديث الروح» من أجمل وأعمق وأرقى ما قدّم إقبال، وإن عرض فكرة السكن السماوى السابق، وحياة الجدّ الأكبر فى جنات عدن، على هذا النحو الأخّاذ، يمثل عملاً رائعاً وخالداً.

ثالثاً: لماذا ليس أفلاطون؟.. درس محمد إقبال الفلسفة، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ميونخ فى ألمانيا، وكان عنوانها «تطور فكر ما وراء الطبيعة فى فارس»، وتمثل هذه الرسالة الجامعية المتميزة بحثاً فلسفياً تاريخياً يمتد من «زرادشت» إلى «بهاء الله».. وتطور الميتافيزيقا من «الزرادشتية» إلى «البهائية».

لم يقف «إقبال» عند الفلسفات الفارسية، بل امتد بحثه ورأيه فى الفلسفة اليونانية، وكذلك الفلسفة الإسلامية، والفلسفة الأوروبية الحديثة.

كان من بين ما تعرّض له «إقبال» الموقف العربى من قطبى الفلسفة اليونانية أرسطو وأفلاطون. وحيث إن هناك فرضيّة سائدة فى الغرب تقول إن العرب اهتموا بأرسطو، لأنهم لم يعرفوا أفلاطون. راحَ «إقبال» يرد بأن أرسطو كان اختياراً لا إجباراً، وأن العرب اطّلعوا على الاثنيْن، لكنهم انحازوا لأرسطو، وذلك لأسباب تتعلق بهم.

يرى «إقبال» أن العرب لديهم «عقلية عمليّة»، ولذلك لم يعجبوا بفلسفة أفلاطون وكذلك سقراط، اللذين اكتفيا بالتأمل واحتقرا الواقع والحسّ والإدراك. ولذا فإن فلاسفة المسلمين لم يقعوا فى هذا التجريد، وإنما ذهبوا إلى النظر والتجريب.

يقول «إقبال» فى وضوح: «الثقافة الإسلامية بعيدة تماماً عن الثقافة اليونانية. الفكر اليونانى لم يشكِّل الفكر الإسلامى.. أريد إلغاء هذه الفكرة تماماً». يحمل رأى «إقبال» بهذا الصدد قدراً من التناقض، ذلك أن الأخذ العربى بأرسطو وتجاهل أفلاطون.. لا يعنى عدم تأثير الفكر اليونانى على الفكر العربى الإسلامى، ذلك أن العرب انحازوا لليونان ضد اليونان، لفيلسوف يونانى ضد آخر، ولفلسفة يونانية دون غيرها. ولم يكن انحيازاً ضد الجميع.

إن القول بتشكيل اليونان للفكر الإسلامى غير صحيح، لكن القول بتأثير اليونان فى الفكر الإسلامى هو أمر صحيح. كما أنّ تحرر الفلسفة الإسلامية من التأثير اليونانى لاحقاً.. قد جعلها تفتح الباب أمام الفلسفة الحديثة، التى انحازت للحسّ والتجريب وحقائق الأشياء.

رابعاً: تأسيس علم الكلام الجديد.. ألّف محمد إقبال كتابه الأهم «تجديد التفكير الدينى فى الإسلام». وهو ما يراه بعض مؤرخى الفكر تأسيساً لـ«علم الكلام الجديد»، فهو -طبقاً لهم- أول نصّ فى فلسفة الدين. والبعض يقارن بينه وبين كتاب الإمام أبى حامد الغزالى «إحياء علوم الدين» الذى ألّفه قبل ألف عام.

وينقل البعض عن محمد إقبال قوله عن كتابه «لو كان كتابى هذا قد ألّفته فى عهد الخليفة العباسى «المأمون»، لترك آثاراً عميقةً فى الحقل الثقافى الإسلامى. هاجم «إقبال» الفيلسوف ابن رشد، وقال إنه ساعد على نمو فلسفة تورّث الضعف، وتغشى بصر الإنسان عند نظره إلى نفسه أو إلى ربه أو إلى دنياه. وتقلّب موقفه بشأن الإمام الغزالى.

وحسب الباحث «زكى الميلاد» فإنّ إقبال امتدح الغزالى فى رسالته للدكتوراه وقال: «إنّ كثيراً من أهل السنة لم يفهموه حق الفهم. سيظل الغزالى على الدوام فى عداد أعظم الشخصيات الإسلامية. إن هذا الشك الرحيب الأفق قد سبق ديكارت فى المنهج الفلسفى». ولكنه عاد فى كتابه «تجديد التفكير الدينى» وقال: «إن الغزالى اتجه إلى إقامة الدين على دعائم من التشكك الفلسفى. وهى دعائم غير مأمونة العواقب على الدين، ولا تسوغها روح القرآن كل التسويغ».

انتقد إقبال «المعتزلة» الذين -برأيه- اختزلوا الإسلام فى نسق من العقائد والمعانى المنطقية، التى غالتْ فى التأويل ونفى الصفات، فاتخذت بذلك موقفاً سلبياً من الذات الإلهية. ثم إنهم قاموا بلىّ النصوص التى لا تتفق معهم.

وأمّا الأشاعرة، فقد امتدح «إقبال» طريق الصواب الذى ارتادوه، وسبقهم للفلسفة المثالية فى الغرب، لكنه انتقد انحصار غاية الأشاعرة فى الدفاع عن رأى أهل السنة.

خامساً: نفى الذات وإثبات الذات.. من نصّ الشهادة «لا إله إلا الله»، جاء النفى فى الشطر الأول «لا إله»، ثم الإثبات فى الشطر الثانى «إلاّ الله». يرى «إقبال» أن الإسلام يقوم على ثنائية النفى والإثبات، ولو زاد «نفى الذات» لأصبحنا رهباناً، خارج عملية بناء الحياة. ولو زاد «إثبات الذات» لأصبحنا ماديين، نعانى أزمةً فى الروح.

دعا إقبال إلى «الرياضة الروحية»، و«التصوف الحق»، وهو التصوف الذى يأخذ بنتاج العلم الحديث.

سادساً: لا حاجة لأنبياء جدد.. يرى إقبال أن رحلة الأنبياء قد وصلت نهايتها مع الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأن الرسول قد أصبح خاتم الأنبياء، ذلك أن الإنسانية قد وصلت سنّ الرشد، ويمكنها إدارة شئونها على هدى ما سبق من رسالات السماء، وعلى ضوء ما تراكم من خبرات الحياة.

إن «خَتْم النبوة» برأى «إقبال» معناه «نهاية عالم الغيب، وبدء عالم الشهادة.. نهاية ضباب الخوارق وبداية ضياء السُّنن». ومن الواجب أن يحافظ المسلمون على دينهم، والذى لا تستقيم الحياة إلا به. يقول إقبال:

إذا الإيمان ضاعَ فلا أمانٌ ولا دنيا لمن لم يحيى دينا

ومن رضَى الحياةَ بغير دين فقد جعل الفناء له قريناً

سابعاً: قصيدة فى قرطبة ولقاء مع موسولينى.. عمل محمد إقبال على تحقيق صلح كبير بين الإسلام والحداثة، بين التصوف والتكنولوجيا. ولقد كان رئيس وزراء باكستان عمران خان دقيقاً حين قال فى الاحتفال بذكرى إقبال الـ143 عام 2020: «إن إقبال صوفى عظيم، تمتع بروح صافية تسمو فوق المادية، وهو فى نفس الوقت رجل يحترم العلم والتقدم التكنولوجى، وتطور العقل والعالم».

درسَ «إقبال» على يد المستشرق الشهير «توماس أرنولد»، وتأثر بفكرة «الذاتية» عند نيتشه، وحاضرَ فى بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا.

فى بريطانيا دعَا الطلاب المسلمين فى جامعة كامبريدج إلى الابتعاد عن المادية الإلحادية، وفى إسبانيا زار مسجد قرطبة، وأنشد قصيدة عن المدينة التى كانت درة التاج فى دولة الأندلس، وصفها فيها بأنها «حوريّة الغرب».

فى عام 1931 ألقى إقبال محاضرة فى روما يقارن فيها بين الفلسفات الثلاث: الإسلام والغرب والشيوعية. وفى عام 1932 ألقى محاضرة فى مدريد بعنوان «العالم الفكرى للإسلام». ويذكر بعض المؤرخين أن الزعيم الإيطالى الفاشى «موسولينى» قد دعاه للقائه، بعد أن شارك إقبال فى مؤتمرات المائدة المستديرة فى لندن عامى 1930، 1931، وقيل إن موسولينى قال له حين التقاه: يا إقبال.. من امتلك الحديد امتلك كل شىء. ردّ إقبال: من كان هو الحديد كان كل شىء.

لا توثِّق الأدبيات الإيطالية جيداً لقاء إقبال وموسولينى، لكن كثيرين يؤكدون أن اللقاء وقع بناءً على طلب موسولينى.

فى مشروعه للصلح بين «الإسلام والحداثة» دعَا «إقبال» إلى «تحديث الفكر الإسلامى الذى تجمّد منذ قرون»، كما دعا إلى تغذية الأفكار الأساسية للإسلام بالفكر الغربى. واقترح أنْ تتأسس حالة من «الديمقراطية الروحية»، حيث يكون الاجتهاد جماعياً يشارك فيه نواب البرلمان إلى جوار رجال الدين، فلا يكون الاجتهاد حصرياً فى رجال الدين، كما أنه لا يقف عند فرد واحد، دون الاسترشاد بالشعب أو بمن يمثلهم.

رأى «إقبال» ضرورة الأخذ من الحداثة، والإفادة من الغرب، ودعَا إلى إعادة بناء الفكر الإسلامى من جديد، على ضوء إفادات الفكر الأوروبى إذا ما لزم الأمر ذلك. لكنه كان يرى نقائص الغرب فى الهشاشة الروحية، والانكسار الأخلاقى. ولقد ذهب إلى أن «الحضارة الغربية ستقتل نفسها بنفسها، فالعشّ الذى يتم بناؤه على غصنٍ ضعيف لا يبقى ثابتاً».

ثامناً: طه حسين يمتدح محمد إقبال.. كتب الدكتور حسن حنفى، كما كتب نجيب الكيلانى عن إقبال، وكتب الدكتور طه حسين مقدمة كتاب «عبدالوهاب عزام» الشهير «محمد إقبال.. سيرته وفلسفته وشعره». ضمن أعمال عديدة صدرت عن إقبال بالعديد من لغات العالم.

لكن عميد الأدب العربى أوجز رأياً إيجابياً فى إقبال، فى كلمته التى ألقاها بحضور وزير الثقافة المصرى وسفير باكستان فى القاهرة فى ذكرى إقبال. وينقل الباحث «إبراهيم عبدالعزيز» فى كتابه «طه حسين.. وثائق مجهولة»: «لقد كان إقبال من المؤمنين.. لقد كان إقبال من الحالمين.. لقد كان إقبال من العاملين. والمؤمنون الحالمون العاملون.. هم الذين يغيّرون وجه التاريخ».. «كان إقبال سابقاً لعصره»، وهو القائل: أنا صوتٌ شاعرى يأتى غداً».

لقد ألّف إقبال فى السياسة والاقتصاد والتاريخ والفلسفة، كتب الشعر والنثر. شارك فى تأسيس جامعة كابول فى أفغانستان، وجمع المال مع الحاج أمين الحسينى ومحمد باشا علوبة لأجل تأسيس الجامعة الإسلامية الفلسطينية، وهو المشروع الذى أوقفه البريطانيون قبل إعلان الجامعة بتسع سنوات.

من المؤسف أن أفكار المتطرف الباكستانى «أبوالأعلى المودودى» قطعت طريق الفيلسوف الباكستانى «محمد إقبال»، وأن مشروع الإسلام السياسى قطع سبيل «الإسلام الحضارى». وبينما تقدم المتطرفون الذين يريدون الصّدام بين الإسلام والعالم، وبين المسلمين والعصر، توارى صوت إقبال الذى كان يرى أن استئناف الحضارة لا يكون إلّا بالعلم مع الإيمان، والحداثة مع الإسلام. يريد أعداء الإسلام أن تمضى الأمة فى «طريق المودودى»، ويريد عقلاء الإسلام أن تمضى فى «طريق إقبال».

تحاول باكستان أن تنجح فى الاختيار بين الطريقين، وينتظر المسلمون ليروْا.. أىّ طريق سوف ترتاده باكستان: «صوت الدم» أم «حديث الروح».

النص من كتاب «الحداثة والسياسة» للكاتب - الطبعة الجديدة، تصدر قريباً.

(عن الوطن)

التعليقات