شم النسيم في الوجدان المصري

يعتبر شم النسيم من أهم الأعياد الاجتماعية في التاريخ المصري، فهو بحق عيد كل المصريين بصرف النظر عن التنوع الديني أو العرقي، وهو العيد العابر للقرون، والمتغيرات الدينية والتاريخية التي مرت على مصر.
يربط بعض الباحثين بين شم النسيم وعيد النيروز الذي عرفته معظم الحضارات القديمة، أي عيد الربيع، لكن يربط البعض الأخر- ومنهم أحمد رشدي صالح في كتابه "الأدب الشعبي"- بين شم النسيم والتاريخ المصري القديم؛ إذ يرجح أنه يتصل بعيد فرعوني وهو المعروف بـ"شمو" باللغة المصرية القديمة، كما يؤكد على انتقال هذا العيد إلى الحقبة القبطية بعد اعتناق المصريين للمسيحية، ثم استمرارية هذا العيد مع تحول أغلبية المصريين إلى الإسلام.
ومع تحول المصريين للمسيحية ارتبط عيد شم النسيم بأسبوع الآلام السابق على عيد القيامة، كما ارتبط بالصيام الكبير، وفرحة الفطر. وتُحدِثنا المصادر التاريخية أن الفرحة تبدأ من الأربعاء السابق على شم النسيم، وهو ما يُعرف لدى المصريين بـ"أربع أيوب" أو "رعرع أيوب"، ويرى هؤلاء أن أصل كلمة رعرع تعود إلى نبات يُسمى رعريع وهو تصغير لكلمة عرعر، وهو نبات طبي معروف في كتب الطب القديمة؛ حيث يتم نقع النبات في الماء والاستحمام به، ويُقال أنه يجلب الشفاء. ويرى البعض أن هذه عادة قديمة منذ أيام الفراعنة تستخدم لوقاية الجسد من أمراض الحساسية المتلازمة مع شهر الربيع، بينما يرجعها البعض إلى قصة شفاء سيدنا أيوب الذي ابتلاه ربنا بالأمراض، ويلي ذلك يوم الخميس، وهو خميس العهد في الثقافة المسيحية، ولكن يطلق عليه أيضًا "خميس العدس" ويُقال أن المصريين درجوا فيه على طبخ العدس، وربما يتماشى ذلك مع طقوس الصيام الكبير. ويأتي بعد ذلك سبت النور، وبالقطع له تفسير في الثقافة المسيحية وهو خروج النور من القبر المقدس، لكن عند المصريين- مسلمين ومسيحيين- هو سبت النور لسبب شعبي أخر حيث تضع الأمهات الكُحل في عيون الأطفال لكي تُضيء "تنوَّر"، ويُقال أن الكُحل كان علاجًا للرمد الربيعي الذي يصيب عيون الأطفال في ذلك الوقت نتيجة هبوب الرياح وحبوب اللقاح.
ثم ندخل على شم النسيم والاحتفال الشعبي به والأكلات المميزة التي يُرجعها البعض إلى عصور الفراعنة مثل تناول البيض المسلوق، ولحم الأوِّز والسمك- خاصةً المملح- والخس والملانة، وهي أكلات اشتهرت في الأعياد الزراعية عند المصريين القدماء؛ إذ ترمز إلى الأرض والحياة ومستقر الروح.
ويضيف أحمد أمين في قاموس العادات والتقاليد المصرية ما يؤكد فرعونية الاحتفال بشم النسيم، فالملانة هي الحمص الأخضر، ويقوم المصريون بتعليق البصل الأخضر في بيوتهم في مستوى أعلى الرأس، ويعتبرون شم رائحة البصل الأخضر في البيوت من الطقوس المهمة.
وهناك إجماع على شعبية الاحتفال بشم النسيم؛ إذ يرى أحمد أمين أنه عيد يشترك في طقوسه "المسلمون والنصارى جميعًا، فهو يوم شعبي". ويؤكد على ذلك أحمد رشدي صالح: "ينبغي عند تحليل الأعياد والعادات المتصلة بالتقويم الزراعي أن نؤكد قيمة صدورها عن أصل فرعوني، ثم تسلسلها عبر ثقافات موسوية ومسيحية واستمرارها في حياة الفلاحين- مسلمين وأقباط- إلى يومنا هذا".
كل عام ومصر بخير.
( عن الدستور)

التعليقات