لمن لم يفقدوا إنسانيتهم
فوجئت ببعضهم يقررون طردها من معسكر المنتخب فى المركز الأوليمبى فى المعادى.. كانت الثامنة مساء ولم يكن لها أهل أو بيت فى القاهرة فاضطرت للسفر إلى دمياط ولم تدخل بيتها إلا بعد أذان الفجر.. لم يشفع لها أنها بطلة مصر وإفريقيا فى لعبتها والثانية على العالم.. ورغم كل ذلك كان من الممكن أن تبدو حكاية عادية رغم قسوتها وغرابتها.
لكن ستختلف الأمور تماما إن عرفنا أن هذه اللاعبة المطرودة من المعسكر لاعبة كفيفة فقدت بصرها منذ ولادتها.. ورغم ذلك سمحت مشاعر البعض وضمائرهم بأن تسافر اللاعبة الكفيفة وحدها فى مشوار ليلى قد تخاف منه فتاة مبصرة.. ولم يكتف هؤلاء بذلك إنما قاموا بإبلاغ زميلاتها فى المنتخب بأنها هى التى تركت المعسكر وإبلاغ أبيها بأن ابنته سافرت برفقة شاب.
وكانت منى راشد تحكى لى هذه الحكاية وهى تبكى جرحا وحزنا وألما.. المرارة فى صوتها كانت ظاهرة وقاسية وهى تطلب منى الوقوف بجانبها وإيصال صوتها سواء لوزير الشباب والرياضة وكل مسؤولى الرياضة ورفع الأثقال والمجلس القومى للمرأة أيضا.. فلم يكن الطرد هو الحكاية الوحيدة التى روتها لى منى وهى تبكى.
كانت هناك حكايات أخرى مزعجة عن المكافآت وقسوة بعض مساعدى مدرب المنتخب الذين فقدوا بصيرتهم فتعاملوا بمنتهى الحدة والقسوة مع من فقدن البصر.. فمنى بطلة عالمية لرفع الأثقال للكفيفات.. وأنا أتابع هذه اللعبة منذ بدأت فى مصر 2018 وكتبت هنا بعض حكايات بطلاتها مثل رشا جمال وآية حمادة وفاطمة البربير وفاطمة مبروك وروان جاد وفاطمة عبدالجواد وآية محمد.. لكننى كنت أكتب سابقا عن فرحة كل منهن ببطولة وانتصار.. عن كبرياء كل لاعبة منهن تحدت ظروفها وحرمانها من البصر.. وكانت منى مثلهن لعبت وقاومت وتحملت وانتصرت.. وفى مشوار لا يزيد عن ثلاثة أعوام أصبحت من بطلات العالم كله.
وبعد أن واصلت، رغم الظروف، دراستها ونالت ليسانس الآداب ودبلوم التربية وأصبحت مدرسة لغة عربية بمدرسة النور للمكفوفين.. أصبح كثيرون يشيرون إليها كنموذج ومثال مصرى وعالمى أيضا للإرادة وتحدى أى إعاقة.. ولهذا حين تحدثت منى معى أمس الأول بمثل هذا الانكسار وكل هذه المرارة.. فذلك يعنى أننا أمام أزمة حقيقية وموجعة ومهينة تلزم كل من لايزال إنسانا بعدم التجاهل أو السكوت.
"عن المصري اليوم"