ثقافة القطيع!!

حالة التسابق واللهاث خلف "الترند" علي مواقع التواصل الاجتماعي، أفقدتنا النقاش المجتمعي العقلاني في جميع القضايا والأمور الخلافية، وجعلت ثقافة القطيع تسيطر علي رؤيتنا وسلوكنا وتسلب عقولنا، وتهيمن علي مواقفنا وقرارتنا.
أحدث تلك القضايا التي اشعلت الجدل علي مواقع التواصل الاجتماعي، فيلم لمخرج مصري مقيم في ألمانيا، عُرض في أحد أقسام مهرجان برلين السينمائي، ولم يحقق مشاهدة في قاعة العرض، لكنه تحول بين ليلة وضحاها إلي "ترند" وحقق أعلي مشاهدات ومشاركات، بعد أن تداول رواد السوشيال ميديا "ملصقا" أو "أفيشا" يعطي انطباعا لهم بعلاقة غير سوية بين رجلين!!
والفيلم أنتاج لبناني ألماني مشترك، ومخرجه وأبطاله من جنسيات متعددة وغير معروفين، ولا تدور أحداثه في مصر أو بلهجة مصرية، وإنما صور في ألمانيا وبعدد من اللهجات، وحتي الأن لم يشاهده أحد من النقاد، ومع ذلك وصل الجدل حوله إلي المطالبة بمحاسبة المسئولين عن عرضه في المهرجان، والسماح بخروجه من مصر، وسحب الجنسية من مخرجه وأبطاله، بل أن الشاعر عماد حسن، مؤلف كلمات أغنية سميرة سعيد "بشتقلك ساعات" قرر أن يشارك في تلك "الهوجة" والضجة المفتعلة، ويقاضي أصحاب الفيلم لأنه يحمل اسم الأغنية، مهددا بأنه لن يترك حقه!!
إن ردود الأفعال قد تكون أحيانا أخطر علي المجتمع من الأفعال، والضجة التي حدث حول "أفيش" الفيلم، قد تجعل المشكلة محط أنظار جيل صغير من الشباب، وتدفعهم للتعمق والبحث عن ذلك الموضوع، الذي "قلب الدنيا" وأحدث كل هذه الضجة والجدل، ومنح مخرجه وأبطاله شهرة لم يكن أحد منهم يحلم بها، وجعلت "المنصات" تسعي لعرضه، والخطورة الحقيقية أن ثقافة الصغار وخبراتهم لن تمكنهم من الفهم الصحيح لأبعاد القضية، وحمايتهم من الوقوع في براثن تلك الأفكار المريضة.
إنني لست مع تقديم أعمال فنية إباحية مبتذلة أو سوقية فجة، لكنني مع مناقشة ومعالجة القضايا والأفكار بصورة عقلانية، لا تخدش الحياء ولا تتنافي مع قيم مجتمعنا وتقاليدنا ومعتقداتنا، وأرفض تماما اتباع رأي واعتناق وجهة نظر مسبقة في عمل فني لم نشاهده، أو السماح للإنترنت باختراق واستلاب عقولنا وتوجيهنا للتماهي مع الجماعة لمجرد الشعور بقوة خداعة، ويؤسفني حقا أن يصل المجتمع لهذا المستوى من الغوغائية في مناقشة القضايا والأفكار.
"من صفحتها"

التعليقات