100 عام على استقلال مصر

في عام 1922 استقلّت مصر عن بريطانيا، بعد استعمار دام 7 سنوات، وفي هذا الأسبوع، تحتفل النخبة المصرية بمرور 100 عام على الاستقلال المجيد.

القاهرة – تيرانا

في خريف عام 2019 زرتُ ألبانيا، والتقيتُ الرئيس إيلير ميتا في قصر الرئاسة في تيرانا. وقد دار نقاش في قضايا عديدة، من أطروحات "ألبانيا الكبرى" إلى سياسات حلف الناتو.

في أثناء اللقاء قال لي المستشار السياسي للرئيس: إنّني أعيش في منطقة زملاك أو زماليك، حيث نشأ الزعيم محمد علي، ونحن ندعوك لزيارتها. قلت له: إنّني أعرف الاسم جيّداً، فهناك حيّ الزمالك في القاهرة، على اسم بلدة محمد علي.

قلت للرئيس ولمستشاريه: وشكراً لبلادكم على الإهداء الكبير الذي قدّمتموه لبلادنا: محمد علي باشا.

أسَّس محمد علي باشا أسرة مالكة مصرية، كان كلّ قادتها من الزعماء الوطنيين، باستثناء حاكم واحد، هو الخديوي توفيق.

في عام 1952 أسقطت الثورة المصرية الأسرة المالكة، وأقامت الجمهورية. وبينما رأى قطاع واسع من النخبة المصرية عدم قطع التاريخ المصري، والنظر باحترام إلى الجوانب المضيئة في التاريخ الوطني السابق، واعتبار أنّ المرحلة الجديدة هي تصويب وتجديد، وليست تدميراً وإلغاءً لِما سبق من التاريخ المعاصر... رأى متطرّفون ثوريون أن يعملوا على محو الماضي، وإهالة التراب على حقبة مهمّة، ونخبة رفيعة، وثورة مجيدة عاشتها مصر قبل عام 1952.

104 سنوات على ثورة 1919

في عام 1919 شهدت مصر ثورة كبرى، أخذت اسمها من تاريخ انطلاقها. وأصبحت ثورة 1919 واحدةً من كبريات الثورات السياسية والحضارية في العالم، ولقد كانت تلك الثورة ملهمةً لحركة المهاتما غاندي في الهند.

نجحت ثورة 1919 التي امتاز قادتها بالمعرفة والحكمة، فضلاً عن الوطنيّة والقوّة، في فرض الإرادة المصرية على بريطانيا. وقد اضطرّ الاستعمار، بعد فشله في إنهاء الثورة، إلى التسليم باستقلال مصر عام 1922. وقد جاء الاستقلال على مرحلتين: في الأولى تسلّمت الثورة المصرية بقيادة سعد زغلول وثيقة الاستقلال يوم 28 شباط 1922، وفي الثانية تأسّست المملكة المصرية بقيادة الملك أحمد فؤاد الأول في 15 آذار 1922، وقد تحوّل لقبه الرسمي من سلطان مصر إلى ملك مصر.

حاول المؤرّخون الاستعماريون أن يقلّلوا من قيمة الاستقلال، وراحوا يردّدون أنّ تصريح 28 شباط 1922 كان تفضُّلاً من المستعمِر، وأنّ الاحتلال ظلّ جاثماً في البلاد فيما بعد، حتى عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

لم يكن ذلك صحيحاً، ذلك أنّ بعض الشروط التي تضمّنتها وثيقة الاستقلال، والتي أبقت على بعض القوات البريطانية في مصر، لا تُلغي الاستقلال. وحتّى لو اعتبرنا أنّ السيادة المصرية كانت ناقصة بعض الشيء، فإنّ نقص السيادة لا يُلغيها، ووجود قوات أجنبية محدودة في بعض المناطق لا ينفي الاستقلال.

القواعد العسكرية الأميركية في اليابان وأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي لا تزال قائمة، لم تلغِ سيادة هذه الدول. وإذا كان القول إنّ بريطانيا قد ضغطت على مصر في قبول قواعدها، فإنّ واشنطن أيضاً هي التي قرّرت خرائط وجودها العسكري في حقبة الحرب الباردة، فجرى فرض بعضها، وجرى التفاوض بشأن بعضها الآخر.

لقد تخرّج الرئيسان عبد الناصر والسادات في الكليّة الحربية في زمن الاستقلال المصري، وشاركت مصر في تأسيس الأمم المتحدة والجامعة العربية في عام 1945، بعد 23 عاماً من الاستقلال.

من المخجل حقّاً أن يجري النقاش في البديهيّات، والجدل في المسلّمات، لمجرّد رغبة البعض من المتطرّفين الثوريين في النيْل من حقبة ما قبل 1952.

إنّهم يكرهون أحمد عرابي

جذور التشويه للتاريخ النضالي المصري، الذي قادته الأدبيّات الاستعمارية البريطانية، يعود إلى الثورة العرابية. فلقد انهالت الصحافة الاستعمارية تمزيقاً لتاريخ الزعيم المصري، الذي قاد ثورةً وطنيةً، لكنّه واجه هزيمة عسكرية، وتمّ نفيه إلى سيريلانكا. وقد واصل فلول اللورد كرومر استكمال رسالته في إكبار الرموز الاستعمارية، وتصغير الرموز الوطنية.

أتذكّر أنّني حين دخلتُ مواجهة فكرية مع الأديب يوسف زيدان، حين قام بإهانة الزعيم أحمد عرابي والثورة العرابية المجيدة، قال لي مَن تابعوا رؤيتي في الردِّ عليه، إنّهم لم يكونوا على علم بمكانة عرابي لدى الصحافة الأميركية والأوروبية.

وكنتُ قد اعتمدتُ على ما نشرته صحيفة الأهرام، وما قام به الأستاذ عزّت إبراهيم من نشر رؤية أدباء كبار مثل فيكتور هوغو في فرنسا، وصحف كبرى مثل "نيويورك تايمز" في الولايات المتحدة، تصِف الدور الكبير والمكانة المرموقة للزعيم أحمد عرابي.

عيد الدولة وعيد الاستقلال

في 31 تشرين الأول عام 3200 قبل الميلاد، قام الملك مينا نارمر بتوحيد الدولة المصرية. وقد واصلت الدولة الأعرق في العالم وفي التاريخ مسيرتها منذ ذلك الحين، حتى اليوم.

من المناسب أن تحتفل مصر بعيديْن وطنيّيْن لم يسبق لها الاحتفال بهما من قبل: عيد الاستقلال، الذي يوافق هذا العام مرور 100 سنة عليه، وعيد الدولة الذي يوافق هذا العام مرور 5222 سنة عليه.

تقتضي طبائع الأمور أن يميل الإنسان إلى تعزيز وطنه، وتكريم بلاده، وإذا كان بين خياريْن اختار أفضلهما. وإذا كان بعض محدودي المعرفة قد اختاروا الانحياز إلى الرؤية الاستعمارية للتاريخ، فمن الحكمة تقديم الرؤية الوطنية للتاريخ.

التعليقات