(إسموكن) أم (عفريتة)؟!
عندما تضطر الظروف الفنان للمشاركة فى عمل متواضع، هل يبدد طاقته فى الدفاع عن الرداءة، أم يعترف بأنه فى النهاية كان هدفه أكل العيش، ومن كان منكم بلا عمل ردىء - فنى أو غير فنى- فليرجمه بحجر.
لا أحد فى الحياة لم يفعلها، أو بالأحرى اضطر ليفعلها، كثير من الفنانين عندما تتضاءل الفرص المتاحة أمامهم يقبلون بما هو متاح، الفنان مثل كل البشر، عليه أن يواجه متطلبات العيش!.
الفنان الصادق لا يدافع عن باطل.. أكرر الصادق.. وما أندر تلك الصفة فى هذا الزمن. أتذكر أننى سألت يومًا المخرج الكبير الراحل هنرى بركات: لماذا تخرج أفلامًا متواضعة لا تتناسب مع تاريخك كصانع لأفلام عظيمة مثل «دعاء الكروان»، «فى بيتنا رجل»، «الباب المفتوح» و« الحرام»، وغيرها من العلامات التى لا تنسى؟.. للتذكرة، لمن لم يعايش ذلك الزمن، كان بركات فى سنواته الأخيرة يقدم أفلامًا دون المستوى مثل «نوارة والوحش»، «أرملة رجل حى»، «لعنة الأشرار»، «العسكرى شبراوى».. قال لى: أنا أنفذ وصية الشاعر والكاتب الكبير بديع خيرى، عندما وجدنى أعتذر عن العديد من الأفلام لأنها لا تحقق طموحى، نصحنى قائلًا: (يا هنرى أنت فنان نعم، ولكنك أيضًا حِرفى صاحب مهنة، إذا وجدت سيناريو عظيمًا مثل دعاء الكروان ارتدِ «الأسموكن» واذهب إلى الأستوديو، وإذا لم تجد سوى «العسكرى شبراوى» فارتدِ «العفريتة» واذهب بنفس الحماس إلى الأستوديو).
وأضاف الأستاذ بركات: أنقذتنى نصيحة الأستاذ بديع من الإحساس بالبطالة، بدلا من أن أقعد فى البيت أعد النجوم وأنتظر أن تنقذنى السماء بسيناريو «بديع»!!.
هل صحيح أن نجومنا ينفذون تلك الحكمة التى تعنى أن يتماشى الفنان بقدر من المرونة مع ما هو متاح أمامه، وفى نفس الوقت يظل فى أعماقه ينتظر أن يأتى له ما يرضى طموحه؟.
أتصور أن قسطا وافرا منهم لا ينتظرون سوى الأجر، وأغلب أحاديثهم حتى تلك التى يغلفونها أحيانًا بالندم على عمل فنى لا أصدقهم فيها، لأنهم يكررون نفس الأخطاء بل يمعنون فيها أكثر وأكثر، طالما ازدادت أرقام عقودهم أكثر فأكثر، دستورهم الوحيد «أبجنى تجدنى»!!
للدفاع عن الأجر، نرى بعض نجومنا وقد صاروا قنابل موقوتة، فجأة تكتشف أن لهم مخالب وأنيابًا تجرح وتقتل، لأن الأمر يتحول إلى صفقة بالملايين، ويعتقدون خطأ أن كلمات النقاد سوف تمنع عنهم تلك الصفقات!.
متى يلبس الفنان (العفريتة)؟ لا يوجد فنان لم يفعلها، هناك دائمًا ظرف قاهر، مثلًا قال لى المخرج سعيد مرزوق إنه فى مطلع التسعينيات كان فى احتياج إلى مصاريف علاج أمه إثر إصابتها بفشل كلوى، ومضطر إلى دفع بضعة آلاف من الجنيهات كل أسبوع، ولهذا وافق على أن يخرج فيلم اسمه (الدكتورة منال ترقص)، قلت له هو إذن أردأ فيلم فى مشوارك، فأجابنى: هذه مجاملة منك.. إنه أردأ فيلم فى تاريخ السينما كلها
الفنان الكبير الراحل محمود مرسى فى آخر مسلسل له (بنات أفكارى) 2002، قال لى إنه لم يقتنع وهو فى هذا العمر أن يقع فى حب إلهام شاهين، إلا أنه كان فى احتياج مادى وحاول أيضًا رغم ذلك أن يتعايش مع الدور.
الكبار يدركون أن الظروف قد تدفعهم لقبول ما هو متاح أمامهم، وفى اللحظة المناسبة يستيقظون، ولكن البعض مهما تنازل من أجل لقمة العيش، يُصر على أنه طوال مشواره لم يعرف إلا (الإسموكن) وليس لديه (عفريتة)!.
"عن المصري اليوم"