عن الدراما والوعي

إنها ليست الدراما والفن والأدب فقط التى تشكل الوعى والوجدان والفكر والسلوك، وإنما هى منظومة فكرية متكاملة يجتمع فيها التعليم وأساليب التعلم مع الإعلام مع الثقافة من كتاب ومكتبة وقراءة ومسرح وسينما وحراك ثقافى يصل إلى الجميع عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويجذب الصغار والكبار والشباب، ويضع خطة شاملة كاملة من مجموعة وزارات، التعليم والثقافة والإعلام والشباب، فى منهاج معلن وخطط تنفيذ قصيرة وطويلة الأمد، لنعرف كيف تسير بنا سفينة الوطن من أجل مستقبل مختلف، وليس الإبداع والفن رفاهية وتسلية وإلهاء، وإنما لهما ذات أهمية رغيف الخبز والبندقية، لأن بناء المجتمع الواعى السليم فكرياً ونفسياً هو الهدف الذى من أجله كان الاقتصاد والسياسة والعلم والتنمية البشرية والمستدامة التى أرهقتمونا بها قولاً وترديداً وصراخاً دونما الفعل ودونما الحقيقة التى تسطع كالشمس، فنلمس آثارها وتأثيرها.

وفى خطابه أو حديثه الأخير شدد الرئيس عبدالفتاح السيسى على أهمية الدراما فى بناء الوعى، وناشد من يقومون عليها أن يتقوا الله ويقدموا ما يساعد الوطن والرئيس فى استكمال مسيرة البناء، وهنا تكمن القضية فى ضرورة عودة وزارة للإعلام وضرورة تفعيل دور المفكرين والمثقفين المتخصصين والخبراء فى مجال الدراما والنقد، وليس هؤلاء المدعين أو الدخلاء المستفيدين، وإعادة لجان القراءة ولجان المشاهدة، ووضع خريطة كاملة لشركات الإنتاج المتعددة المصادر حتى تتنوع الأصوات وتكون هناك تنافسية الأفضل دون احتكار أو تدنٍ فى المستوى ليصادف هوى أصحاب شركات الإعلانات لمزيد من المشاهدة والترويج ودون اعتبار للجودة والقيمة والوعى.

وفى هذا الصدد، نجد أنه فى عام 2012 أنتجت إحدى الفضائيات العربية مسلسلاً لـ«وليد سيف» والمخرج «حاتم على» فى 30 حلقة عن شخصية سيدنا عمر بن الخطاب فى إنتاج ضخم جداً وإمكانيات فنية وبشرية كبيرة، وتم تحويل هذا العمل إلى فيلم مضغوط ومكثف بدلاً من 30 حلقة إلى نحو 5 ساعات على جزأين عرضته قناة MBC على يومين متتاليين، وهذا العمل الذى ظهر فيه صحابة رسول الله «بلال» و«أبى بكر» و«على ابن أبى طالب» و«عبيدة بن الجراح» وغيرهم من الشخصيات الإسلامية العظيمة، هذا العمل هو وثيقة فكرية وثقافية تنصف الإسلام وتقدم نماذج مضيئة مشرقة ليس فقط عن سيرة «الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام» ولكن عن أسلوب الحكم وكيفية بناء الدولة الإسلامية، ونفى شبهة التعصب والإرهاب والدموية عن الدين وعن المسلمين الأول، وكيف كان التعامل مع أهل الكتاب، وكيف رفض عمر الصلاة فى كنيسة القيامة حتى لا يزاحم المسلمون المسيحيين فى الصلاة بها والعهود والمواثيق التى أعطاها «عمر» للكنائس والرهبان والصلبان... وكيف كان يخصص أموال بيت المال حتى لليهود والنصارى، وأنه عين امرأة تسمى الشفاء بنت عبدالله قاضية الحسبة فى أسواق المدينة، تقرر وتأمر وتتصرف بأمر «عمر».. وأظهر العمل فى حوار ولغة وصورة متقنة كم الخلق الرفيع والإنسانية التى هزمت الروم والفرس بالحق والعدل والمساواة بين البشر، وإعمال العقل فى الأحكام حتى إن «عمر» أوقف الحدود فى عام الرمادة، وقال علينا أولاً أن نؤدى الواجبات للناس قبل حسابهم... العمل يمكن أن يدرس ويشاهده التلاميذ فى المدارس ليتعلموا السماحة والخلق الكريم، ويتعرفوا على شخصيات عظيمة وعلى التاريخ الإسلامى قبل التشويه وقبل ما آل إليه الحال على أيدى أحفاد مسيلمة الكذاب.. هكذا يبنى الفن الوعى.
"عن الوفد"

التعليقات