مكتبة محمد فائق.. وسياسة إهداء الكتب في مصر

خيرًا فعل الوزير السابق والسياسي المخضرم محمد فائق بتبرعه بجزء من مكتبته الخاصة إلى مكتبة جمعية مصر الجديدة، وهو يملك مكتبة ثرية تضم مؤلفات جيوسياسية وموسوعات تاريخية وعلمية، ومؤلفات الجاحظ، والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي ومذكرات سياسية، وإصدارات دار المستقبل، وجزء مهم عن إفريقيا، تضم مكتبة فائق آلاف الكتب، وهو يقوم أخيرًا بإهداء بعضها إلى الجامعات ومكتبة مصر العامة وأفرعها، ومنها عزبة البرج.

والمكتبة الخاصة التي يتشوق المثقف لتكوينها وإثرائها قد لا تجد مساحة من اهتمامات الورثة لضيق المكان أو عدم الاهتمام.

وكان من أوائل التحقيقات الصحفية التي كتبتها ونشرتها حتى قبل تعييني في مجلة "المصور": "أين ذهبت مكتبات الكبار؟".. كان المآل دائمًا إلا فيما ندر هو سور الأزبكية، أو بائع الروبابيكيا.

وأتذكر أنني قابلت النجمة السينمائية القديمة بهيجة حافظ وحدثتني عن عشقها للكتاب والاقتناء، بينما كانت الكتب ونحن نتحدث في شقتها بالمبنى الملاصق لسينما قصر النيل وسط القاهرة، مكدسة في الشرفة الصغيرة التي تطل على الشارع.

إهداءات الكتب في مصر متروكة لجهود الأسرة ولم تضع وزارة الثقافة سياسة إهداءات، وهو ما يجب أن تنهض به الآن، وتتعاون مع وزارات التعليم والتعليم العالي والشباب واتحاد الكتاب والنقابات، في تنفيذها بآلية واضحة، وأعرف أن هناك قواعد في دار الكتب القومية وفي مكتبة الإسكندرية ولكن بالنسبة للمؤسسات الأخرى، فإن المسألة مفتوحة للفكرة الشخصية والقريحة المرتبطة بالمسئول..

وأتذكر الآن مكتبة الأستاذ والصديق الراحل رجاء النقاش التي تضم مجموعات من أهم الدوريات والكتب بطبعاتها الأولى، وبإهداءات بخط كبار الكتاب والأدباء والشعراء، وحاولت مع زوجته الدكتورة هانية عمر المارية رحمها الله، الوصول إلى جهة ما تقبل تبرع الأسرة بالمكتبة من دون جدوى، وكانت فكرتي أن تتلقاها جامعة المنصورة؛ حيث مسقط رأسه أو مكتبة الإسكندرية أو جامعة القاهرة حيث تعلم، وقمنا باتصالات ولم نجد صدى.

قضية مكتبات الكبار أشمل من فائق والنقاش، ولا يمكن تصور أن المجتمع ليس بحاجة إلى هذه المكتبات، لأن قصور الثقافة ومراكز الشباب والأندية الرياضية والكليات والمعاهد العليا والجامعات، بل والمدارس، تحتاج إليها.

ودائما هناك علاقة ما يمكن رؤيتها بين صاحب المكتبة، والمدرسة أو الجامعة التي تعلم بها، والقرية أو المدينة التي شهدت صباه، كلها أماكن يمتلئ صدره بالحنين إليها، كما أن المكتبة ستكون مصدر إلهام باسم صاحبها لأجيال قادمة تنشأ في نفس البيئة، وأظن أن التبرع بالكتب يمكن أن يساعد في تطور مكتبات عامة، والتي تستطيع من خلالها استكمال مجموعاتها وما ينقصها من دون ميزانية إضافية، كما يمكن للمكتبات عن طريق قاعدة بيانات تبادل الكتب المهداة، وإعادة إهدائها للمكتبات التي تفتقر إليها.

وليس مناسبًا تجاهل ما قامت به هيئة الكتاب في أوقات سابقة من استقبال مكتبات بعض الأسماء على سبيل الإهداء، وكذلك مكتبة الإسكندرية التي استقبلت أخيرًا مكتبة الأستاذ محمد حسنين هيكل، بينما لم نعرف مصير مكتبة صلاح عيسي، وأظن أن المكتبة وهي الوحيدة التي تملك سياسة إهداءات وضعها الباحث المرموق د. خالد عزب، بصدد عملية فرز لمكتبة ووثائق صلاح عيسي.

أما مكتبة جامعة القاهرة فقد تلقت منذ تأسيسها مجموعات مهمة، مثل مجموعة الأميرين إبراهيم حلمي وكمال الدين حسين، واشترت مجموعات المستشرقين: زيبولد وأستاذ الآثار بونكر والدكتور ماكس ماير هوف، ومجموعة المرحوم أحمد طلعت، ومجموعة الدكتور محمد عسكر، كما وصل المكتبة إهداء كتاب "وصف مصر" الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية..

من المؤكد أن القراءة الإليكترونية باتت وجهة مفضلة من الأجيال الجديدة، لكننا نظل في حاجة إلى قراءة الكتب الورقية، وبالتالي فإن إهداء المكتبات الخاصة في تصوري هو أحد وسائل إنعاش القراءة الورقية في أماكن ومجتمعات محلية عدة في مصر، والصراع بين ما هو ورقي وإليكتروني ليس بالضرورة ينتهي بفوز حاسم أو خسارة نهائية، لأن النوعين مطلوبان على مستويات عدة من الشغف والمعرفة وأساليب الفهم والتفضيل، بينما الفضاء الإليكتروني لم يضم بعد ولا يستطيع، كل التراث الإنساني الذي سجلته الكتب.

وفي الإهداء إشارات معرفية مهمة، إذ أنقذت مكتبة طه حسين بسبب رحابة منزله وظلت في مكانها (مركز رامتان الثقافي) فإن البعض سارع بالتبرع أخيرًا، مثل الكاتب والناقد سمير غريب إلى دار الكتب.

وتضم الدار حتى الآن 17 مكتبة مهداة، منها مكتبات عبدالرحمن الرافعي وطلعت حرب وأحمد باشا زكي وعباس محمود العقاد وعائشة عبدالرحمن وأحمد باشا تيمور والمناضل عبدالقادر طه والمخرج صلاح أبو سيف والزميل الصحفي خالد السرجاني، إلى جوار 28 مكتبة ملكية.

وبينما قرأت أن أسرة إبراهيم أصلان تفكر في التبرع إلى مكتبة الإسكندرية أو إحدى الجامعات، فإن أبناء إحسان عبدالقدوس وصلاح جاهين وخيري شلبي قرروا الاحتفاظ بالمكتبات. (وكان خيري شلبي تبرع بجزء من المكتبة إلى مركز شباب قلين في كفر الشيخ)، وكذلك احتفظت الإعلامية نهال كمال بمكتبة زوجها الشاعر عبدالرحمن الأبنودي.

التعليقات