ذكورية المجتمع وتبرئة الجاني
مفارقة واضحة تماما، تظهر التناقض بين ما يقال عن حقوق المرأة واستحقاقاتها الدستورية، وبين ما يحدث فى الواقع، مفارقة تثير التهكم والسخرية، وتستحضر ذهنية منغلقة تجسد علاقة النساء بالبيئة المحيطة بهن فى وقت محدد من الزمان والمكان، مفارقة درامية بين نساء قتلن غيلة وغدرا، لأنهن لم يستجبن لأوهام النرجسية الذكورية (الطالبة نيرة أشرف، والمذيعة شيماء جمال)، وبين بطلات حصدن ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية فى دورة ألعاب البحر المتوسط لهذا العام (بسنت حميدة، ونعمة سعيد، وفريال أشرف، وأشرقت درويش، وإسراء عويس، وأحلام يوسف، وريم سلامة، وآية شحاتة، وشهد الحسينى، وبسمة عماد، وضحى هانى، ويمنى عياد، وسمر حمزة، وشيماء محمد)، مفارقة جعلت الرجال يجتمعون على فعل واحد، وهو الحط من شأن النساء، وتشويه سمعتهن، وفى نفس الوقت بطلات ينهضن من رماد خريطة الذكورية، محاولاتٍ تفريق الغمام.
هذه المفارقة كشفت قاع المجتمع، الذى لا يحتاج أن نحفر عميقا لكى نصل إليه، فعنصريته تطفح دون الحاجة لاستخدام مجاز أو استعارة، حتى البطلات اللاتى حصلن على البطولات، وحاولن خلق سرديات تاريخية لوطنهن، لم يسلمن من التقريع والسباب، لكون بعضهن يرتدين الشورت أو ملابس كاشفة للأكتاف.
الأنا الذكورية تريد أن تكسر تفوق النساء، وتجعل هذه البطولات التى حصلن عليها بعد اجتهاد ومشقة كبيرين، ظلالا لهذا الانكسار، ذكورية فجّة تتربص فى شقوق الأرض، وفى جنبات بئر مظلمة مكتنزة بالثعابين السامة، التى تطلق فحيحها، وتنقض على ضحيتها عند اللزوم، هذه الذكورية السلفية المجتمعية حولت المجرم إلى ضحية، والضحية إلى المغوية الشيطانة، التى توقع الرجال فى شباكها، والمسؤولة عن الجريمة، ووجب الدفاع عن المجرم حتى لو جريمته موثقة بالصوت والصورة، فكيف لأنثى مهما كانت خلفيتها التعليمية والطبقية أن ترفض الذكر المستبد الفحل؟!.
كيف للأنا الذكورية النرجسية المتضخمة أن تقبل الرفض؟!، كيف للعنف الذكورى أن يقبل أن تكون المرأة ندا وشريكا بنفس الحقوق، وبذات الواجبات؟!، كيف لقيم السلطة الذكورية البائسة أن تقبل بالخروج عن الثقافة المجتمعية التقليدية والمهيمنة؟!.
الرجال ضحايا الوهم الذكورى، ضحايا القيم البالية التى تؤسس لسلطة ذكورية تعمل على تهميش النساء بعنف، لكن هل سلوكيات الرجال والنساء أو توجهاتهم محتومة بيولوجيا؟!، بالطبع لا، لأن هذه السلوكيات والتوجهات تتشكل اجتماعيا وثقافيا، وهى قابلة للتغيير وكذلك المنظومة القيمية متغيرة وهذا يرتبط بتغير الثقافة والتعليم والقانون المساند للعدل والمساواة، فلنعمل معا على كسر الهيمنة والعنف الذكورى.
"عن المصري اليوم"