رفقًا بحديقة الحيوان

من البديهي أن بناء المجتمعات وتطوير سبل الحياة وخدماتها للناس يحتاج إلى مشاركتهم، لكي تأتي نتائج هذا البناء والتطوير في محلها فيما ينفع هؤلاء الناس، وهم أدرى بحالهم وشعابهم.
 
والمشاركة لكي تتم لابد وأن تتطلب إجراء نقاش مع هؤلاء الناس أنفسهم، باعتبار أن منهم من سينفذ، ومن سيطبق عليهم، وهم المعنيون في النهاية جملة وتفصيلا، شكلًا وجوهرًا، بالبناء والتطوير، فضلا عن أن هؤلاء هم أصحاب هذا البناء وذاك التطوير، وهم المالكون للكيان الجديد المنتظر والمستفيدون منه، فهم حماته والحافظون لمبدأ حمايته الدائمة وتنميته المستدامة.
  
وقد تتراوح نسب هذه المشاركة والنقاش طبقًا للقضية المطروحة وفقًا لنوعها وحساسيتها، في قضايا مثل الأمن وما شاكل ذلك، فإن مكانها المؤسسات الدستورية والنيابية والمتخصصة، أما إذا كانت القضية تراثية، أو خدمية، أو ترفيهية، فلا بأس من المشاركة، بل هي جهد مرحب به، لكي تحصن الجهات الرسمية المشروع المقترح برمته، فكرًا وتنفيذًا، فلا أحد يمتلك الصواب أو يحتكر الحقيقة على الإطلاق.
 
والنقاش مهم، خاصة أن بلادنا تمتلك مالا يمتلكه غيرها من الموارد والثروات، وأهمها وأعلاها المورد البشري المفعم بالمواهب والكفاءات، بدليل أن لدينا فائضًا من هذا المورد تتسابق عليه دول وشعوب سعيًا لاستثماره والاستفادة منه، وهو ما نفخر به، ويحدث ونراه أمامنا كل يوم.
 
هذه مقدمة فرضت نفسها تحت ظل أشجار "حديقة الحيوان"، وتوأمها وجارتها "حديقة الأورمان" الخالدة بأشجارها النادرة، بعد أن تناولت وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي أخبار تنفيذ مشروعات لتطويرها، كما أثيرت تكهنات عدة ومخاوف من عمليات تجريف الحديقتين، والاستفادة بموقعهما، في قلب محافظة الجيزة على الضفة الغربية لنهر النيل.
 
كثافة التكهنات جاءت للعديد من الأسباب، أولها أن بعض عمليات التطوير تحتاج إلى ضبط وشفافية ومصارحة، حيث تتمخض أحيانًا عن نتائج غير مأمولة، وتأتي النتائج غير مطابقة للبدايات المتفق عليها، وكذلك لأسباب ترتبط بالتراث الغني للحديقتين، وخاصة حديقة الحيوان التي تأسست وافتتحت 1891م، وهي أكبر حديقة حيوان إقليمية، وأول وأعرق حدائق الحيوانات في إفريقيا، وكانت تسمى "جوهرة التاج" لحدائق الحيوان في إفريقيا، وهي القارة الشهيرة والثرية الغابات المفتوحة، وسياحة السفاري لكثرة وتنوع موائل الحيوانات في غاباتها وصحاريها.
 
أما حديقة الأورمان، فتعد أكبر الحدائق النباتية في العالم، فقد أنشئت عام 1873م، وتضم مجموعة فائقة الندرة من الأشجار والنخيل والنباتات، تم جلبها من مختلف أنحاء العالم، وأيضا لسبب يرتبط بالذاكرة المجتمعية والتاريخية والتراثية والدراسية التي ارتبطت بالحديقتين، وخاصة حديقة الحيوان أو "جنينة الحيوانات"، وما تحتويه داخلها من حيوانات نادرة وكنوز تراثية إحيائية ومتحفية.
 
وهناك سبب جوهري أثار هذا القلق من عملية التطوير المقدرة، وهو أن العديد من الأطراف تناولت القضية وتداولتها، باستثناء صاحبة الحديقتين الجهة المشرفة والمعنية بهما، وهي وزارة الزراعة، والتي جاء بيانها مؤخرًا لتنفي ما أثير من مخاوف وشكوك، وهنا نعيد تأكيد أن غياب النقاش ساهم في انتشار القلق والجدل والشائعات.
 
الأمر الإيجابي هو ما جاء في بيان الوزارة؛ حيث إن عمليات التطوير لن تغير من وظيفة الحديقة، ولا صحة لتجريف الأشجار لأنها ذات طبيعة خاصة، ولا يمكن المساس بها، أو قطع أي من النباتات والأشجار النادرة.
 
وأشارت الوزارة إلى أنه سيتم تعظيم الاستفادة من مقومات الحديقة واستعادة طابعها التراثي، مع إعادة إحيائها منطقة مفتوحة ومساحات خضراء، بالتعاون الهيئة القومية للإنتاج الحربي، التي ستحصل على مقابل تطوير الحديقة من خلال الإشراف على تشغيل الحديقة لفترة زمنية، لتعود إدارتها بعد ذلك إلى وزارة الزراعة، بعد انتهاء عقد التشغيل.
 
وأضاف البيان أن نسبة المباني لخطة التطوير لن تتجاوز 1% من إجمالي مساحة الحديقة "80 فدانًا"، وأن تطوير حديقة الحيوان يشمل البنية التحتية للحديقة، واختزال مدة التطوير من عامين إلى عام واحد، وأن وزارة الزراعة هي المالكة للحديقتين، وستظل مالكة لهما بعد عملية التطوير، وأن الهيئة القومية للإنتاج الحربي هي من ستقوم بتطوير الحديقتين.
 
نعيد قراءة ونشر ما جاء في بيان وزارة الزراعة، من منطلق أهمية النقاش، بالتركيز والتذكير بما جاء في البيان، من منطلق الشفافية والمصارحة؛ وهما روافد الثقة لمساعدة الوزارة على إنجاز مشروع تطوير الحديقتين النادرتين على مستوى الإقليم والعالم، خلال عام.
 
ومن منطلق المشاركة والحوار، نقترح أن تتكامل الحديقتان، بمعنى حديقة الحيوان تخصص فقط للحيوانات النادرة والحفاظ على متحفها الحالي وتطويره، وتنقل منها الطيور والزواحف إلى حديقة الأورمان، لكي تعطي مساحة للحيوانات البرية لكي تعيش في بيئة طبيعية تحاكي بيئتها الأم، على الجانب الآخر تتناسب طبيعة الأورمان الشجرية الخضراء مع الطيور النادرة والزواحف، فضلا عن أشجارها البديعة شديدة الندرة، والتي جعلتها حديقة علمية عالمية تضم أشجارًا تكاد تندثر من العالم بسبب التغيرات المناخية، على أن يتم إنشاء نفق تحت الأرض بينهما لتيسير سبل الاستفادة من كلاهما.
 
تم نشر المقال فى موقع الأهرام
 
التعليقات