ازرع .. اصنع .. أنتج .. تحصد

أحمد الله أن حقق حلمى ومد فى عمرى لأرى ما لم أتوقف عن الكتابة عنه لسنوات طويلة وفى ما لا يعد ولا يحصى من مقالات داعية للاهتمام بمحاصيلنا الإستراتيجية وعلى رأسها القمح ورعاية الفلاح والعودة لإدراك أهمية الزراعة وحماية ما تبقى من أخصب أراضى الوادى القديم والخروج الى وسع أراضينا الصحراوية لاستصلاحها وزراعتها بعد أن اكتشفنا أنها فى مقدمة وسائل مواجهتنا وتجفيف آثار الأزمات التى تعصف بالعالم.. هذه المستهدفات القومية العظيمة التى كانت محورا للاحتفال الذى شهدته مصر فى احتفالية إعلان التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى والتطوعى.. أسعدنى الالتفات إلى دور العمل التطوعى وإلى مسئولية القادرين على المشاركة فى عبور بلدهم هذه المرحلة الصعبة من تاريخها واعتبار هذه المشاركة واجبا وطنيا لتخفيف الأزمات على أبناء بلدهم الذين قدموا تضحيات تفوق قدرات البشر ولن يتأخروا عن تقديم المزيد إذا كان قد تبقى لهم ما يستطيعون تقديمه ودون أن يستطيع أحد أن يقلل من قدر محبتهم لبلدهم ولكنهم فى النهاية بشر يجب أن يكون من أولويات سياسة الدولة التخفيف عنهم وتحقيق الحدود الإنسانية العادلة لحياتهم حتى لا يعصف بهم المزيد من التراجع الاجتماعى والاقتصادى والصحى والتعليمى والإنسانى والغذائى.
 
◙ ولا شك أن العمل الأهلى التنموى الذى تكون مؤتمره الأول من ثلاثين تحالفا ومع كل التقدير لمبادراتهم الا أنهم يظلون جزءا متواضعا من القوى والكيانات المالية وأصحاب المليارات والثروات الضخمة الذين تمنيت منذ بداية الأزمات أن يبادروا الى مشاركات عاجلة فى حل بعض الأزمات خاصة الإفراج عن البضائع المكدسة فى الموانئ وفى مقدمتها مستلزمات التغذية والعلاج وأغذية الدواجن والحيوانات التى لا أعرف هل كان من الصعب إنتاجها محليا. ولا شك أن بين أصحاب الثروات والمليارات من تكسبها بطرق مشروعة وبينهم من أرجو من النائب العام المحترم أن يبادر بتطبيق قرار النيابة بإنفاذ التحقيقات المالية الموازية ليعود للمصريين بعض من ثرواتهم وحقوقهم التى أهدرها ونهبها الفساد والتربح المحرم من النفوذ ويعرف المصريون جيدا أنه هرب منها الكثير الى الخارج ولكن هذا الشعب الطيب الصابر من تسبب فى إيذائه فلن يفوز أبدا.
 
◙ وكانت مبادرة ازرع من أكثر ما أسعدنى بين المبادرات التى أعلنها التحالف وما تضمنته من مشروعات طبقت بالفعل فى مناطق الاستزراع الجديدة مع مواجهات علمية لتحسين البذور واستنباط أصناف قليلة الاحتياج الى المياه بعد دخولنا تحت خط الفقر المائى وتدريب الفلاحين على طرق الزراعة الحديثة وزيادة إنتاجية الفدان من القمح وإن كنت فى حملتى الصحفية على صفحات «الأهرام» فى نهايات القرن الماضى قدمت من أبحاث وتطبيق العلماء والخبراء ما يصل بالفدان الى إنتاجية قد تصل الى ثلاثين أردبا قبل أن يقوم المسئولون عن الزراعة فى ذلك الحين بتدمير وإيقاف هذه المشروعات فى إطار خطة استعمارية لتحويل مصر الى اكبر مستورد للقمح كما حدث بالفعل وتستبدله بزراعة الكانتلوب! وقد أسعدنى أيضا فيما أعلنته مبادرة ازرع من إعادة الإرشاد الزراعى وتطوير دور الجمعيات الزراعية كان ومازال يعانى الفلاح من كثير منها وتطوير نظم الرى وإنتاج أسمدة آمنة وإن كان قد آلمنى ألا أسمع دعوة عما لم أتوقف عن الكتابة عنه طوال العام الماضى بل وتعود الدعوة الى زراعته أيضا الى نهايات القرن الماضى وهو ما تحققه زراعة الشعير التى يجود فى أراض قاحلة قليلة المياه وما يحققه من قوة للأرض والإنسان والحيوان وأثبتت هذه الحقائق عن زراعة الشعير منظمات أهلية مثل منظمة د. وفاء ميرا لصحة الإنسان والعودة الى تراثنا الغذائى فى تجارب لإنتاج العيش وسائر المخبوزات بخلط القمح والشعير أو باستخدام الشعير وحده كما كان يفعل أجدادنا القدماء وكما يتمسك به بعض أهلنا فى صناعة أصناف العيش فى الصعيد وحيث تحدث أهم المشروعات القومية لرد الحياة والاعتبار لقرانا فى الريف وجنوب مصر الذى حرم لعشرات السنيين من أبسط مقومات الحياة والذين كانت فرحتهم فى سوهاج ببشائر تحقق هذه المقومات تكشف عن هول ما عاشوه طوال عشرات السنوات الماضية من إهمال رغم ادعاء المسئولين فى تلك السنوات ان النصيب الأكبر مما يدخل مصر من أموال ومعونات ينفق على توفير البنية الأساسية لقرى الريف والصعيد كما يكشف أهم مشروع قومى يحدث الآن وهو «حياة كريمة».
 
◙ ومن اكثر ما استوقفنى وأثار دهشتى كلمة ممثلة الحكومة الأمريكية وقدر التباهى بما يقومون به من مشروعات للتعاون مع مصر فى مجالات الزراعة والتنمية والتعاون البيئى وفى التعليم والصداقة التى تربط الفلاح المصرى بالمؤسسات الأمريكية وان مراكزهم للتدريب تنتشر فى محافظاتنا وهو ما لم أسمع عنه! ولم تنس المتحدثة الامريكيه أن تذكر مصر بأنها من اكبر المستوردين للحبوب وهى فرصه لأذكرها ان الإدارات المتوالية لبلادها كانت تقف وراء ذلك ولا أنسى عبارة لأشهر وزراء خارجيتهم السابقين أن القمح قضية سياسية وليس قضية زراعية!.
 
◙ نعم الأزمات الاقتصادية والغذائية والبيئية والصحية تعصف بالعالم ولكن ليس من استعصم بقواه الذاتية مثل من لم يعتصم وأعود الى ذاكرة الماضى لنحمى الحاضر والمستقبل ونطبق ما اعتمدت عليه جميع التجارب الانسانيه الناجحة.. ازرع.. اصنع..انتج.. أعتمد على نفسك تحصد الخير والاستقرار والاستقلال والاطمئنان والقوة وتفرض احترامك على الطامعين والغزاة ومطلقى الشائعات وناشرى اليأس والخوف والمستعمرين الجدد.
 
تم نشر المقال فى بوابة الاهرام 
التعليقات