الطويل ومنير وأنا!

بعض الفنانين- تستطيع أن تعتبره الاستثناء- تربطنى بهم صداقة تتجاوز ما أكتبه عنهم سلبًا أو إيجابًا، هناك زمن يجمعنا وأيضا ذكريات، ومن بين هؤلاء محمد منير، بيننا أربعة عقود، قد تتباين وجهات النظر، ولكن لم تتباين أو تتناقض أبدًا مشاعرنا.

وجدت نفسى أتوجه لمطار (الملك خالد) بالرياض، الساعة الرابعة فجرا، تعودت أن أخطف ساعات النوم طبقا لما هو متاح أمامى، وهكذا اقتنصت نحو ساعتين ونصف قبل موعد مغادرة الفندق.


وعندما دخلت إلى قاعة الانتظار وجدت أمامى ابتسامة ترحيب حميمية من منير، واكتشفت أنه لم ينل أى قسط من النوم، (طبق) يومين، ورغم ذلك كان فى حالة تركيز ويقظة، ترددت بداخلى أغنية (على صوتك بالغنا)، قال لى منير إنها من أحب الأغنيات إلى قلبه.

وأضاف بكيت فى الاستوديو، قلت له إلى هذه الدرجة تأثرت بالكلمة والنغمة؟، أجابنى نعم، ولكن ليس هذا سبب البكاء، الموسيقار الكبير كمال الطويل أصر على إعادة التسجيل 20 مرة، لأنه يريد طريقة محددة فى كل حرف، وكان له ما أراد فى المرة رقم 21.

قلت لمنير، أزيدك من الشعر بيتا؟، هل تتذكر حكاية (ترلم)؟، قال لى ضاحكا: زدنى، أجبت لا تزال تسكن بداخلى تفصيله «ترلم»، كنت أسجل مذكرات حياة الموسيقار الكبير كمال الطويل الذى اتصل بى غاضباً ومؤكداً أنه سيقيم دعوى قضائية ضد يوسف شاهين.


وسوف يطالب المسؤولين فى «كان» بمنع عرض فيلم المصير، لأن المخرج اعتدى على حقه القانونى وحذف «موتيفة» موسيقية من اللحن، وطلب منى عنوان المهرجان لإرسال خطاب رسمى، سر غضب الطويل هذا المقطع «ترقص–ترلم–أرقص».

أراد يوسف شاهين أن يلغى أثناء التسجيل النهائى للأغنية «ترلم» ويستبدلها بلحظة صمت، وبدأ التراشق بين العملاقين، وتناسيا فى ذروة الغضب ما بينهما من نجاحات متعددة مثل فيلم «عودة الابن الضال»، الذى شهد بداية انطلاق ماجدة الرومى، بعد تدخل الأصدقاء استمع الطويل فى لحظة هادئة للحن بعد حذف «ترلم»، فوجدها أحلى وتنازل عن الدعوى القضائية.

تأملوا الدقة فى التنفيذ وفى التفاصيل، «موتيفة» موسيقية لن تستغرق ثوانى، تثير كل هذا الجدل، قال لى منير إن لقاءه مع كمال الطويل لا ينسى، وهو نادرا ما يرضى عما يقدمه ولهذا لم يمنح للمكتبة الغنائية الكثير كعدد.


ولكن ألحانه على ندرتها تملك سحرًا خاصًا وعلامة فارقة فى مشوارى مثل (مش برىء)، قلت لمنير تحليلى أن الطويل لا يفكر فقط فى أن يقدم لحنًا يدهش به المستمع، ولكن يريد أن يشعر أولًا بالدهشة، وهو ما أراه أقرب للمستحيل.

وأغلب ألحانه خرجت للنور بعدد تردد يستمر عدة أيام وأحيانًا سنوات، وحكيت قصة قصيدة (غريب على باب الرجاء)، التى لحنها لأم كلثوم ضمن قصائد أوبريت (رابعة العدوية)، الذى قدمته أم كلثوم للإذاعة منتصف الخمسينيات.

وطلب الطويل من أم كلثوم حذف القصيدة قبل إذاعة الأوبريت، وحاولت إثناءه مؤكدة له (اللحن حلو يا كمال)، إلا أنه أصر، وتم له ما أراد، بطريقة ما فى السبعينيات اقتنصت اللحن إذاعة إسرائيل، فقدمته على موجاتها، واضطرت الإذاعة المصرية للسماح بتداوله، وسألت كمال الطويل عن رأيه؟، فقال لى إنه لا يزال غير راض عن اللحن.

وصعدنا للطائرة وفتحت (الكيبورد) لأكتب تلك الحكاية، بينما كان محمد منير بجوارى فى (سابع نومة)!!.
** عن المصري اليوم

التعليقات