مآسٍ تحت الأنقاض

مشاهدة تداعيات زلزال تركيا وسوريا تدمى القلوب، يكفى أن نشاهد هذا الدمار الذى حول مدناً بأكملها إلى كومة تراب، فما بالنا ونحن نتخيل وضع من هم تحت أكوام الأنقاض المهدمة، ما هو حال من بقى حياً؟
 
وكيف يشعر وسط العتمة والصقيع والخوف، إنها أبشع درجات النهاية التى لا يتمناها أحد، لم يكن ينقص سوريا وجعاً مضاعفاً على أوجاعها، يكفيها ما حل بها من خراب فى صراع سياسى معقد لم يرحم أحداً، هى تئن منذ سنوات، نال منها الحصار وأطماع النزاع على السلطة.
 
وفى غمرة الصراع خسروا وطناً كان مستقراً ينبض بالحياة والخيرات، وحضارة عريقة أوُتى على معظمها، ورغم أن الدمار نال الكثير من مدن جنوب تركيا، لكنها ربما تكون قادرة قليلاً على استيعاب الكارثة لخبرتها فى التعامل مع الزلازل، حيث تقع فى حزامها، وسرعة استجابة المجتمع الدولى لتقديم المساعدات لها.
 
لكن ما هو مصير مدن وقرى شمال سوريا المنكوبة، هناك تردد واضح من المجتمع الدولى لتقديم المساعدة، نظراً للعقوبات الدولية والحصار المفروض على سوريا، فهل مدن الشمال السورى المنكوبة فى وضع يسمح بتردد المجتمع الدولى لمساعدتها؟
 
الوضع السياسى المعقد فى سوريا يجعل من إيصال المساعدات الملحة معجزة، رغم أن المنطقة المنكوبة أحوج ما تكون إلى الدعم الإنسانى واللوجيستى بعيداً عن الخلافات والصراعات السياسية؟ فكل دقيقة تأخير تساهم فى قتل نفس بريئة، تصارع الموت والرعب والبرد تحت الأنقاض! إن القصص المبكية التى تخرج من تحت الركام ويشاهدها العالم كله، هى أحرى بالإسراع لمد يد العون والمساعدة، وغض النظر عن جبروت السياسة، ووضع الأولوية إلى الظرف الإنسانى المؤلم الذى يعيشه المنكوبون.
 
قصص لا يستوعبها العقل البشرى، بدأت تتواتر تفاصيلها صوتاً وصورة فى كلا البلدين، الدمار الذى خلفه الزلزال يحتاج صبراً ووقتاً كى يستقر صداه، غير أن العالقين تحت الأنقاض، لا يملكون رفاهية هذا الوقت، فلماذا تساهم الدول التى فرضت العقوبات فى إطالة أمد المأساة؟
 
تتجاهل البعد الإنسانى الذى تتغنى به صباح مساء كعقيدة راسخة فى قوانينها ودساتيرها، وتظهر غلظة وتناقضاً فى التعامل مع الوضع الإنسانى الكارثى فى سوريا!
 
وعلى الرغم من تصريحات المتحدثة الرسمية باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية التى توضح فيها أن المساعدات الإنسانية التى بدأت تتدفق إلى شمال سوريا من تركيا.
 
توقفت مؤقتاً أمس الثلاثاء، بسبب عدم صلاحية الطرق ومعوقات لوجيستية أخرى، إلا أنه لا يوجد مؤشرات متى سوف يتم استئناف تلك المساعدات مرة أخرى.
 
سكان المدن والقرى المنكوبة فى شمال سوريا، يستغيثون لا ماء ولا كهرباء ولا إنترنت، كيف يمكن التواصل مع ذويهم انقطعت كل وسائل الاتصال للاطمئنان عليهم، المستشفيات تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لا تستطيع بإمكاناتها المتواضعة استقبال هذا الكم الكبير من الحرجى، الذين تتزايد أعدادهم تباعاً مع الاستمرار فى البحث عن ناجين تحت الأنقاض، إذ لا تتوافر بيانات كافية حول أعداد المحاصرين تحت الأنقاض، بينما تبذل فرق الإنقاذ جهوداً هائلة من أجل العثور على ناجين فى ظل ظروف مناخية قاسية.
 
لا سيما فى المناطق الجنوبية من تركيا التى يقطنها ملايين من السكان، وفى شمال سوريا التى تفتقد للمعدات الكافية والمؤهلة للبحث عن الضحايا، وتسابق الزمن والبرد ونقص الوقود لإنقاذ العالقين.
 
حتى الآن وصل عدد ضحايا الزلزال فى تركيا لأكثر من 8500 شخص، وفى سوريا إلى أكثر من 2600 مرشحين للزيادة، فى ظل الأعداد الكبيرة من المصابين، وعشرات الآلاف من المشردين الذين أصبحوا بلا مأوى، جراء تلك الهزة الأرضية وما أعقبها من توابع.
 
وما زاد الموقف سوءاً أن فرق الإنقاذ الدولية التى هرعت إلى المنطقة لتقديم يد المساعدة للسلطات المحلية فى البحث عن ناجين، تواجه صعوبات جمة فى ممارسة مهامها نتيجة الظروف المناخية العصيبة وانخفاض درجات الحرارة لما دون الصفر فى تركيا، بالإضافة إلى التوابع الزلزالية التى تعرقل جهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية، فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أعداد الوفيات قد تصل إلى 20 ألف حالة.
 
فى ظل أزمة اقتصادية تعصف بالعالم، ووضع سياسى متدهور فى سوريا، يأتى الزلزال الذى زلزل العالم مشكلاً صدمة عنيفة، ستكون توابعها شديدة الوطأة على البلدين، فضلاً عن الخسارة البشرية التى قد تفوق التوقعات، لكن فى سوريا على نحو خاص، فإن توابع الزلزال ستكون أكبر مأساة إنسانية تتعرض لها فى تاريخها الإنسانى.
 
مقال/ جيهان فوزى
الوطن

 

التعليقات