«الوثائقية» التي انتظرناها طويلاً

لم تكن الساعة الثامنة من مساء الأحد 19 فبراير 2023 كغيرها، قبل هذا التوقيت بحوالى نصف ساعة فتحت التليفزيون على شاشة قناة «الوثائقية» على اللوحة الثابتة منتظراً بدء بث القناة، حرصت على ألا تفوتنى لحظة الافتتاح، فها هو الوعد الذى أطلقه عدد من وزراء الإعلام السابقين، على مدى سنوات وسنوات، بإطلاق قناة وثائقية مصرية، يتحقق عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
 
فى انتظار البث لم يغادرنى الشعور بالقلق، فأول قناة وثائقية مصرية يجب ألا تبدأ قبل أن نضمن لها منتهى النجاح، وليس مجرد النجاح فقط. ولو كانت قناة إخبارية أو منوعات أو حتى قناة عامة، فمثلها كثير وكان يمكنها البدء بالحد الأدنى المطلوب من المستوى الإعلامى، ثم تراهن على استكمال مقوماتها واستمرار التطوير بعد ذلك، لكنها غير مسبوقة فى تاريخ الإعلام المصرى الرائد فى المنطقة، وسبقتها قنوات وثائقية أخرى ناطقة بالعربية.. إذن التحديات أمام القناة المصرية الوليدة موجودة منذ اللحظات الأولى لإطلاقها.دقت الساعة الثامنة وبدأ البث، ولم يخب ظنى.. انطلقت «الوثائقية» المصرية عملاقة، لتؤكد أن الاستعداد بثقة والتحضير الجيد لأى مشروع يضمنان له النجاح.«الوثائقية» قبل انطلاقها الرسمى بهذا الشكل «المفتخر» سبقها قبل خمس سنوات تقريباً تأسيس وحدة الأفلام الوثائقية برئاسة الإعلامى القادم بقوة أحمد الدرينى داخل شبكة قنوات «دى إم سى» التى يترأسها الصديق محمود مسلم، صاحب البصمات الواضحة فى كثير من التجارب الإعلامية الناجحة، وتطورت الوحدة إلى قطاع الإنتاج الوثائقى داخل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وخلال هذه السنوات نجحت الوحدة ثم القطاع فى إنتاج أفلام وثائقية مهمة تجاوزت الخمسين فيلماً، وحسبما كنت أتابع كان لافتاً تلك الأفلام المتعلقة بقضايا الإرهاب وجرائم جماعة الإخوان، مثل سلسلة «أمراء الدم» التى شملت 3 أفلام، بدأت بفيلم عبدالرحمن السندى مؤسس الجهاز الخاص للجماعة، ثم فيلم «قطب» بجزئيه، الذى يروى تاريخ سيد قطب المنظِّر الأول للإرهاب الإخوانى، وكذلك الأفلام الموثقة لأحداث تاريخية مهمة مثل ثورة 1919، وفيلم «حريق القاهرة»، وفيلم «معركة الإسماعيلية» الذى يوثق بطولات رجال الشرطة المصرية فى مواجهة المحتل الإنجليزى، وأفلام أخرى متميزة كانت كفيلة باتخاذ القرار الجرىء والواثق بإطلاق القناة الوثائقية.
 
تستحق الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بلا شك، كل التقدير على تلك الخطوة غير المسبوقة فى تاريخ الإعلام المصرى، كنا فى أشد الاحتياج لقناة وثائقية يمكننا من خلالها مواجهة محاولات تزييف الوعى الجمعى للمصريين، تلك الجريمة التى يرتكبها مراراً وتكراراً على مدار الساعة بعض ممن نحسبهم ضمن النخبة السياسية أو الإعلامية أو الحقوقية، وترتكبها فى مواجهتنا أجهزة إعلام غربية وعربية مرئية ومقروءة ومسموعة كلها موجهة لتزييف الوعى وتقديم الكيانات الإرهابية كفصائل سياسية، والإرهابيين كضحايا للعنف المتبادل مع السلطة، وتتعمد تكريس صورة أو صور سلبية لمصر وكأنها كانت هكذا.. أو ستظل دوماً.
 
القنوات الوثائقية فى السنوات الأخيرة أصبحت من الأهمية بمكان، خاصة مع الاضطرابات السياسية التى تعانيها منطقتنا العربية منذ انطلاق الثورات المدفوعة بفكرة الفوضى الخلاقة، والتى أنتجت فوضى إعلامية تستهدف وعى وثقافة المجتمعات العربية، وتسطيح مفهوم الهوية الوطنية.نهنئ كل القائمين على «الوثائقية»، ونهنئ أنفسنا على القناة التى انتظرناها طويلاً، ولكن أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً.  
 
المقال/ عماد فؤاد
الوطن
التعليقات