نغني ونحارب

سوف تظل أقلامنا مشهرة وعقولنا يقظة وضمائرنا حية مهما حاولوا استنزافنا بمعارك وهمية، فكلما عانقت كلماتنا هذه المطبوعة لنا موعد مع الحرية.. فعلى صفحات «الوطن» كنا نتنفس ونحارب ونغضب ونرقص فى محراب الكلمة «تانجو الحياة».
 
ماستر سين: الدكتور «خالد منتصر»، الإعلامى والطبيب، قدّم فى خانة المفكر، والأخرى فى زنزانة المتهم.. لكنه الأكثر تحليقاً فى سماوات التنوير، لن تنال منه التهم السخيفة ولا محاولات «اغتيال الشخصية» ولا لعنه وسبه من اللجان الإلكترونية للسلفيين: تلك هى صورته المفضّلة «يغنى ويحارب».
 
إنها حرب حقيقية بين العقل والتغييب.. بين العلم والجهل.. بين تحرير المرأة وفقه الجوارى.. بين ثقافة الحياة (عدم تشويه الجهاز التناسلى للمرأة وزراعة الأعضاء)، وتجار الموت (بول الإبل والتداوى بالأعشاب وتحويل البشر إلى فئران تجارب والحجامة وتكفين المرأة بالنقاب وحزب التكفير).. إنها حرب يقف فيها «المنتصر» فى جبهة الإنسان ليواجه الجنى العاشق الحرامى الذى يحول الإنسان إلى «مسخ».. هذا الجن تضخم وتوغل مثل كيان أخطبوطى تمتد أذرعه فى كل مناحى الحياة.. لدرجة نشعر معها بأننا أمام كائن خرافى «نحارب طواحين الهواء»!
 
«خالد منتصر» ليس فى قاموسه كلمة «يأس» ولا «استسلام».. لأنه إن فعل سوف يتنازل عن عقله ويسلم الشهادات العلمية التى اجتهد حتى نالها: لتصبح شهادة الدكتوراه مقابل حجاب، والماجستير برقية شرعية، أما درجة أستاذ فسوف يقتنصها هواة التجريب فى البشر حتى لو أزهقوا أرواحاً!لا تستسلم يا صديقى.. أنت من أقلقت جثث التراث فى مراقدها، وانتصرت للعلم فى مواجهة الخرافة، ولم تفقد إيمانك بالقدرة على التغيير يوماً، وكنت حاضراً دائماً لتسديد فاتورة أفكارك ومواقفك.. مواقفك الجريئة فى مقابل ثوابتهم الزائفة.. وتصديت لـ«لوبى التخلف»: كنت محاصراً تصرخ وهم يحيكون مؤامراتهم للإبقاء على جريمة الختان، ثم بدّلوا ما كانوا يؤكدون أنه «فرض» ليصبح «مُحرماً»!!.
 
كنت غاضباً، قلمك ينزف غضباً حتى تدخل مصر عصر «كأنما أحيا الناس جميعاً» ورأيت مطالبك العلمية تتحقق: (نقل الأعضاء، ومؤخراً زراعة رئة).. كنت تُحاكم لأنك حطمت أوثان «ذوى اللحوم المسمومة» وأسقطت عمة «كبيرهم الذى علمهم السحر».. ومن خلفك المادة (98 من قانون العقوبات) تلاحقك بتهمة «ازدراء الدين الإسلامى»، وكان يجب أن تُتهم بجريمة «الانتصار للعقل».. أنت من قررت دخول حقل الألغام، وفتح الملفات المسكوت عنها فى وقت يتآكل فيه تيار الاستنارة، ومواجهة دعاة الجهل والخرافة، رغم أن خلفهم منظمات سخية وأنت لا تملك إلا «قلماً».. ثق -يا عزيزى- أن القلم ينتصر دائماً.
 
«منتصر» متهم دائماً، لأنه لا يعترف إلا بالمنهج العلمى.. ولهذا أصبح هدفاً لكل متعصّب ومتطرف، لكل من يرفض تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة ويصر على أن يقمعنا ويقهرنا.. لكل من يقايض على حياتنا «بحفنة مال وشهرة»!.
 
فى سلسلة مقالاته بجريدة «الوطن»: (هل هذه حقاً بديهيات دينية؟)، طرح دكتور «خالد» كل الأسئلة المسكوت عنها، وفتح الملفات المختومة بعبارات التفكير الدموية، جعلنا ننزف مجدداً، ربما يوحّدنا الإحساس بالوجع بعدما تراجع صوت تيار الاستنارة فى مواجهة «كتائب الحسبة».
 
ها ما يميز «خالد منتصر» أنه يفتح أبواب التنوير من باب «العلم» ويغلق كل المنافذ حتى لا يتسلل إلينا أوثان التراث الدينى.. لكن من خلفة تأتى سهام «سماسرة الموت».. الحانوتية الذين يتخفّون فى ثوب الجدة العجوز وهم فى حقيقتهم «ذئاب»!
 
أدرك أنها معركة صعبة، وأن العدو من أمامنا وتهم الازدراء والكفر والزندقة ومحاكم التفتيش ولجان التحقيق ومشانق الحسبة (بكل أنواعها) مشرعة لتنال من رؤوسنا: إن دمنا مهدر مقابل خبر.. ما أصعب أن يكون المانشيت دائماً «المتهم خالد».. وما أروع أن تنتصر دائماً.
 
المقال / سحر الجعارة
الوطن
التعليقات