هل نلعب كرة قدم حقا؟!

كرة القدم لغة إنسانية كونية، نشاط بشري عابر للحدود والثقافات والجنسيات.
 
تربعت اللعبة على عرش الرياضة في العالم بعد أن حملت عبء التصدي الأخلاقي للفساد والعنصرية، بل وتحولت فعالياتها أحياناً إلى منصات لمواقف احتجاجية ضد ممارسات لا إنسانية. 
 
كم شاهدنا فرق أوروبا وهي تُركع ساقاً في بداية كل مباراة في سلوك رمزي للاحتجاج على مقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية، وكم تغيرت قوانين في ملاعب أوروبا بسبب هتافات عنصرية للجماهير أو تنمر وإساءة لفظية ضد لاعب!. 
 
وكم شاهدنا أساطير من الرياضيين وأصحاب نفوذ وسلطة على الساحة الرياضية في العالم  تسقطهم فضيحة أخلاقية أو قضية فساد أو استغلال نفوذ، تتصدر الفضيحة نشرات الأخبار أياماً ثم تذهب ومعها صاحبها طي النسيان. 
 
سقوط الحيتان والمتوحشين في الرياضة وغيرها عملية طبيعية تحدث في كل بلاد العالم، وهدفها في أغلب الحالات حماية الرياضة من التلاعب والفساد المالي والاحتكار. 
 
وبالطبع فإن الرياضة في سعيها لأن تنظف نفسها قد لا تنجح تماما في مهمتها، فهي كأي مجال آخر عرضة لأن يستغلها المحتالون والدخلاء وعشاق الشهرة، إما لغسيل السمعة أو المال أو التجارة والاستثمار في النوادي واللاعبين، لتحقيق مكاسب هائلة ومضمونة من عمليات السمسرة والبيع والشراء واستغلال الشغف الجماهيري الكاسح بكرة القدم. 
 
يحدث هذا يومياً في كل بلاد العالم، إلا أن الرياضة وكرة القدم تحديداً بعد أن تحولت إلى صناعة هائلة تحكمها قوانين وأخلاقيات صارمة كانت تنجو عند كل محنة من الانهيار، فكانت إيطاليا تحصل على كأس العالم رغم ما تتعرض له نواديها من فضائح، وكانت الاتحادات الدولية تصمد وتستمر في مهامها رغم تعرضها لهجمات وانتقادات شرسة تدفع أحياناً بكبار مسئوليها إلى المحاكم والسجون.. مع كل هذا كانت هناك دائما كرة قدم جميلة ومنافسات قوية وشريفة، ولاعبون وشخصيات رياضية محترمة يتخذها ملايين الشباب قدوة في اللعب والأخلاق. 
 
هذه الصورة قد تجعلنا ننظر إلى حالنا الآن، ونسأل: هل عندنا رياضة؟!، هل ما يجري في الوسط الرياضي أو ملاعب كرة القدم عندنا يشبه بأي ملمح ما نراه في ملاعب إنجلترا وفرنسا وإيطاليا، أو حتى ملاعب دول بمنطقتنا عرفت كرة القدم بعدنا بسنوات؟!. 
 
للأسف، كثيرون ممن يدعون علاقتهم بالرياضة لعباً وإدارة لا يعترفون بأننا أبعد ما نكون عن مفهوم الرياضة الحقيقي، وأننا لا نملك ثقافة كرة القدم، ولا نفهم قوانينها وضوابطها القانونية والأخلاقية، وأننا نجهل أبسط قواعد تلك الصناعة الهائلة التي يصل دخل بعض النوادي منها إلى ميزانيات دول بكاملها!. لهذا يكون من المنطقي أن نشهد ما نشهده على ساحتنا الرياضية وفي كرة القدم تحديدا من مهازل وصراعات ومؤامرات وسلوكيات لا علاقة لها بالرياضة، ويكون من الطبيعي أن تنشأ أجيال في مناخ فاسد ومريض، لا تفهم من الممارسة والمنافسة غير الصراخ والنميمة والتنمر على الآخر!. 
 
ثم نحزن على تراجعنا وعلى النتائج المحزنة لفرقنا، وعلى سلوك جماهيرنا، ونتعجب لماذا لا نلعب في كأس العالم؟!، ولماذا نحبط وتنكسر نفسنا عندما تهزمنا الجزائر والسنغال؟!.
المقال/ محمد الشبه
الوطن
التعليقات