عهد المجمعات الصناعية العملاقة

خلال شهور قليلة تم الإعلان عن عدة افتتاحات لمشروعات عملاقة قرأ الناس عنها ونسوها بين نهر المنجزات المتدفق؛ بداية من مشروع الرمال السوداء ومرورًا بمجمع الصناعات الغذائية وانتهاءً بما شهدناه مؤخرًا من افتتاح لمجمع صناعى مهول كان حلمًا طالما راودَنا وأجلناه حتى تحقق اليوم على أرض الواقع..
 
عام 2020 شهد بداية تنفيذ الحلم من أجل اقتحام سوق التصدير العالمى للأسمدة بسبب زيادة الطلب من الأسواق الخارجية على الأسمدة المصرية، خاصةً من دول أمريكا الجنوبية كالبرازيل، وهو ما حدا بالقيادة السياسية للمسارعة بتنفيذ المشروع الطموح بإنشاء مجمع الأسمدة الفوسفاتية والمركبة بالعين السخنة.. والفوائد التى تُرجى من مثل هذا المشروع أكثر من أن تُحصَى.. فدعونا نتجول بين دهاليز هذا الصرح ونتابع معًا حجم ما تم..
 
تسعة مصانع..فى ثلاثة مجمعات!
تعودنا أن نسمع عن مدينة صناعية أو مجمع صناعى، لكننا اليوم أمام ثلاثة مجمعات صناعية دفعة واحدة تم إنشاؤها على مساحة 400 فدان.. فلماذا تم إنشاؤها إذا كنا نمتلك بالفعل عددًا من مصانع الأسمدة تعمل بكفاءة؟ وما الجديد فى هذه المجمعات؟ 
 
الحق أننا الآن وفى المستقبل نحتاج فعليًا للطاقة الإنتاجية الهائلة لهذه المصانع وأكثر.. فمن ناحية أنه سوف يسهم فى القفز بعائدات الصادرات إلى أرقام غير مسبوقة؛ مما يوفر لنا عملة صعبة نحتاجها بشدة، ثم إن المشروع يوفر أنواعًا جديدة من الأسمدة المركبة التي تضاعف إنتاج المحاصيل والمزروعات بشكل كبير، كل هذا بخلاف إسهام المشروع فى تحقيق حلم آخر نهدف لتحقيقه وهو استصلاح 3.5 مليون فدان وقد قطعنا فيه شوطًا وتنتظرنا أشواط قادمة..
 
لم يتحقق الحلم بين عشية وضحاها.. بل هى جهود جبارة طيلة ثلاثة أعوام من العمل الدؤوب وأموال تم ضخها فى شرايين الأرض لترتفع الأبنية فوق الأساسات وتمتلئ ساحات المصانع بالآلات العملاقة وخارجها تتحرك أساطيل سيارات النقل تأتي وتذهب بأطنان الخامات والمنتجات فى حركة لا تتوقف.. مشروع قام بالتخطيط له وتنفيذه كل من جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وشركة النصر للكيماويات الوسيطة فى صمت وهدوء..
 
إن مجمع الأسمدة الفوسفاتية والمركبة هذا يحقق طاقات إنتاجية خرافية من خلال تسعة مصانع بالعين السخنة بمحافظة السويس.. أولها مصنع لإنتاج سماد ثنائي فوسفات الأمونيوم المحبب (الداب) بطاقة 400 ألف طن سنويًا، ومصنع لإنتاج سماد ثلاثي سوبر الفوسفات المحبب بطاقة 250 ألف طن سنويًا، ومصنع لإنتاج الأسمدة البللورية الذوابة بطاقة 100 ألف طن سنويًا والتي تنتج لأول مرة في مصر، ومصنعان لإنتاج حامض الكبريتيك المركز بطاقة 1.25 مليون طن سنويًا، ومصنعين لإنتاج حامض الفوسفوريك التجارى بطاقة 800 ألف طن سنويًا، ومصنعان لإنتاج حامض الفوسفوريك النقي بطاقة 150 ألف طن سنويًا والتي تنتج لأول مرة في مصر أيضا، هذا بخلاف ما يضمه المجمع من المنشآت الإدارية والفنية والطبية والخدمية ومجموعة المخازن ورصيف بحري للتحميل والتصدير.
 
كل هذا بالإضافة إلى مجمع سكنى للعاملين يتسع لنحو 1200 فرد وقد روعي لتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للتشغيل إنشاء 2 توربينة بخارية، بقدرة 46 ميجا وات / ساعة تحقق 75% من الطاقة الكهربائية المطلوبة ويتم الإمداد بـ 25 % الباقية من الشبكة القومية، كما يتم توفير المياه "الصناعية" للمجمع من خلال محطة لتحلية مياه البحر، تم إنشاؤها بطاقة 32 ألف متر/ 3 يوم.
 
25 ألف فرصة عمل
العاملون بمثل هذا المشروع العملاق سيتحولون إلى جزء أصيل منه؛ إذ تم تخصيص مجمع سكنى خاص يشملهم هم وأسرهم، وإذا أضفنا لهؤلاء العاملين القدامَى بشركة النصر للكيماويات بأبى رواش مقرها الرئيسي وبفرعيها بالفيوم والعين السخنة، ثم عدد العمالة غير المباشرة فسوف يتضاعف العدد إلى ما يزيد عن 20 ألف فرصة عمل أغلبها سيكون من نصيب شباب الخريجين ممن يحملون فى أيديهم عزمًا وفى قلوبهم شوقًا لرد الجميل لبلدهم الغالى..
 
خلال تصميم مخططات المجمع الأولية تمت مراعاة الحفاظ على صحة العاملين بالمشروع كأولوية أولى من أجل منع أية انبعاثات ضارة من المصانع طبقًا للمعايير العالمية.. حيث قامت شركة النصر للكيماويات الوسيطة بالعديد من الإجراءات البيئية ومنها التحكم في جميع أنواع الانبعاثات (غازية – سائلة - صلبة) باستخدام أحدث الأساليب العلمية الحديثة والعوامل المساعدة في إنتاج الأحماض والأسمدة الفوسفاتية، وتركيب المرشحات والفلاتر لتنقية الهواء طبقًا للاشتراطات البيئية هذا إلى جانب إنشاء سور يحيط بمنطقة تخزين المواد الخام وعزلها عن المناطق المحيطة، كذلك تغطية كافة سيور النقل والتداول للمواد الخام والمنتجات وتركيب أجهزة مراقبة الانبعاثات على مداخل المصانع التي تعمل بصورة آلية، بالإضافة إلى معالجة الصرف الصناعي بتقنية عالية حيث يتم فصل المواد الصلبة والتخلص الآمن منها طبقًا لاشتراطات جهاز شئون البيئة ويتم معالجة المياه وإعادة تدوريها والاستفادة منها في العمليات الصناعية توفيرًا للمياه مع استخدام الفائض منها في ري المسطحات الخضراء، واستخدام الغاز الطبيعي بدلًا من السولار لمنع الانبعاثات، بل واستغلال الطاقة الحرارية الناتجة عن حرق الكبريت الخام لتوليد الكهرباء حتى لا تسبب تغير مناخي بالمنطقة المحيطة..كل هذا بالإضافة لمراعاة صحة وسلامة العاملين بالكشف الدوري عليهم من خلال إقامة فرع طبي متكامل داخل المجمع. وتركيب شبكة إطفاء تعمل بصورة آلية والتدريب على خطة الطوارئ ومكافحة الحريق طبقًا لخطة السلامة والصحة المهنية، فضلًا عن توفير معدات ومهمات الأمن الصناعي لجميع العاملين بالشركة طبقًا لنوع العمل المكلفين به.
 
أنت أمام مشروع متكامل روعيت فيه أدق التفاصيل ليكون نواة لنهضة صناعية تغلق الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من ناحية، وبين الواردات والصادرات من ناحية أخرى..
 
ليس من رأى كمن سمع!
ليس كافيًا للناس أن يسمعوا الخبر أو يقرأوه ثم تأتى الشائعات تشككهم وتفسد فرحتهم بما تم.. 
فلماذا لا يتم تنظيم رحلات جامعية لشباب الخريجين من النابهين ليعلموا حجم المنجزات فى طول البلاد وعرضها ويتحدثوا عنها حديث من يراها رأي العين؟ تلك دعوى نادى بها الرئيس السيسي أثناء حديث ضمنه رسائل مهمة مركزة.. أول هذه الرسائل أن الإعلام عليه دور كبير ليصبح عينًا للشعب تتجول وتطوف أنحاء مصر لتحصر بعضًا مما تم تحقيقه من منجزات تتم بوتيرة تسابق الزمن فى مسارات متوازية على سائر المحاور الصناعية والزراعية والإنتاجية وفى سائر محافظات مصر.. الرسالة الثانية وربما أهم الرسائل تختص بتوسيع رقعة مصر الزراعية بإدخال ما يُقدر بنحو 3.5 مليون فدان إلى الخدمة فى إطار مشروعات استصلاح أراضى الدلتا وتوشكى ووسط سيناء.. إلى جانب توفير كميات هائلة من المياه لا من مجرى النيل وإنما من محطات معالجة مياه الصرف الزراعى لاستغلال الفاقد الكبير من المياه الذى كان يجرى فى السابق.. لقد تساءل الرئيس: هل كان لدى مصر خلال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية برنامج لإضافة 3.5 مليون فدان للرقعة الزراعية؟ وأكد قائلًا: "إننا لا نقول ذلك للنيل من أحد أو للتفاخر بما تحقق وإنما لتسجيل ما يتم بالفعل على أرض الواقع".
 
ربما كانت تلك أبرز الرسائل لكنها ليست آخرها.. بل هناك الكثير مما ينبغى له أن يقال.. إن المشكلة الكبرى التى كانت عائقًا عند الشروع فى تنفيذ هذا المشروع الكبير هو توفير الغاز الطبيعى اللازم لإدارة مصانع الأسمدة الأزوتية وهو ما تم تحقيقه بالفعل.. هكذا استطعنا تعظيم القيمة المضافة لثرواتنا؛ بدلًا من تصدير الغاز والفوسفات الخام بمقابل بخس، فإننا نديرهما فى صناعة تجلب لنا عوائد ضخمة دائمة وتنمو باستمرار..
 
 
المقال / عبدالسلام فاروق 
بوابة الأهرام 
التعليقات