أحاديث مع الأبنودي 3

 
 
دعمت سيرة البطل البعد القومي في شخصية الشاعر عبد الرحمن الأبنودي الذي يرى أن للأمة العربية أبطال وعناصر نضالية يظل من واجبنا أن نلقي الضوء على رحلتهم وعلى عناصر الغرابة البطولية في حياتهم، وربما نظرته واهتمامه بجمع وتقديم "السيرة الهلالية" بأبطالها والتي التهمت من عمره عشرين عامًا، جعلته كشاعر وحالم ينقب في الكثير من سير الأبطال التاريخيين الذين حصدوا ببطولاتهم إعجابًا شعبيًا طاغيًا.  
 
وكان الأبنودي قد تحمس لكتابة أوبريت في نهاية التسعينيات من القرن الماضي بعنوان "سيرة بطل" في احتفال قناة "أوربت" بمئوية المملكة العربية السعودية، الذي أقامته في عاصمة البحرين (المنامة) في شهر يناير من عام 1999. وبعدها بأيام احتفلت الرياض رسميًا أمام حشد من الضيوف العرب والأجانب، (في 22 يناير 1999) بمرور مائة عام على نجاح الملك عبدالعزيز في دخول الرياض.
 
 بعد سنوات ذكر الكاتب السعودي د. أمين ساعاتي في مقال بعنوان "الخطأ غير المقصود في تاريخ تأسيس المملكة" في جريدة "الاقتصادية" عدد 30 سبتمبر 2012 أن تاريخ تأسيس المملكة هو 13 يناير 1902، أما تاريخ 18 سبتمبر 1932 فهو تاريخ تعديل أسم المملكة من مملكة الملك عبدالعزيز إلى المملكة العربية السعودية.
 
ويبدو أنه قد جرى الاإتفاق بين مؤرخي المملكة على أن يوم 22 يناير 1899 هو تاريخ التأسيس الحقيقي، وفي مواكبة احتفالية المنامة نظمت دارة الملك عبدالعزيز في الرياض مؤتمر "المملكة في مائة عام" ونشرت الإدارة أبحاثه في خمسة عشر مجلدًا.
 
 قال لي الأبنودي إنه تعجب من العرض الذي جاءه لكتابة الاحتفالية "وكأنهم يعرفون أنني على صلة صداقة مع الملك عبدالعزيز، وكنت أقرأ وأبحث عنه، وهو من الأبطال الحقيقيين للأمة العربية".. وأشار إلى أنه ليس مصادفة أن يكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل مقدمة كتاب الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري (لسراة الليل هتف الصباح) عن حياة ونضال الملك عبدالعزيز. 
 
وبغض النظر عن أن الأوبريت لم يعد يُعرض، ولم أعثر عليه إلا من خلال صديقنا الصحفي الكبير محمد دياب، وهو أفضل من نرجع إليه إذا تعلق الأمر بالأغاني، وقد دلني على صفحة السيدة دلال حفيدة وردة على اليوتيوب، فإن الأبنودي وقد أصر على أنها "احتفالية" وليست "أوبريت"، أبدع في كلماتها التي شدا بها كل من أصالة، هاني شاكر، ووردة بألحان محمد سلطان، أما رابعهم الذي اختتم الاحتفالية الفنان محمد عبده، فقد طلب الأبنودي أن يكتب أغنيته شاعر سعودي وكان الأمير بدر بن عبدالمحسن وبألحان السعودي محمد شفيق.
 
شرح لي الأبنودي (في حوار نشرته في جريدة اليوم السعودية يوم الأحد 27 ديسمبر 1998) أن ما كتبه هو احتفالية غنائية بالدرجة الأولى، ولكن به بعض عناصر الأوبريت. وبعد نجاح "الليلة المحمدية" التي كتبها عقب غزو العراق للكويت أطلق عليها "أوبريت" في كل العالم العربي، ولكنها تكوينات غنائية بمساحات متعاقبة يربط بينها رابط، كذلك كل الاحتفالات التي كتبها بمناسبة ذكرى انتصار أكتوبر مثل "أفراح النصر"، أو "أنشودة مصرية" أو "كفاح طيبة"، ويظن الأبنودي أنه اقترب في "كفاح طيبة" من المسرحية الغنائية "حيث حولنا بدن درامي لرواية كاتبنا الكبير نجيب محفوظ لكي توضع في شكل مسرحي درامي غنائي".
 
يبدأ الأبنودي حكايته "سيرة بطل" بالشكل التقليدي للحكاية التي تهدف إلى إفهام المستمع بالمضمون الذي سيواجهه وبقائمة المعاني كنوع من الحشد الذكي والاستقطاب الذي حمله الشاعر من منشدي القرى قديمًا.. نحكي عن بطل.. نحكي عن بلد.... نحكي عن وطن.. ثم ينتقل إلى المغزى: نحكي ع اللّي وحَّد الأطراف.. في بَدَن. ثم يصور كفاح البطل من فوق الرُبى والدور وعلى الشوك والرمال وعلى الصخور.. "وفي الضمير.. وطن عزيز ح توحّده في ظل راية التوحيد".. وبعد الكورال المتحمس بدأ الغناء الذي لم يقل حماسةً..
 
قرأ الأبنودي كتب أمين الريحاني عن الملك عبدالعزيز وبات على قناعة برحلته النضالية والتي انتهت بإرساء دعائم دولة وسط مشاق مهولة ووضع دولي معقد قبل الحرب العالمية الأولى وخلال فترة ما بين الحربين، وأنه استطاع في الواقع أن يدير الحوار مع القوى العظمى آنذاك وأن يمرق خلال هذه القوى بحكمة وبوعي قد لا نجده في أيامنا الحالية، وفي النهاية نأى ببلاده عن التشرذم والتمزق وحقق ما أراده.
 
وأرجع الأبنودي ذلك إلى شخصية الملك المؤسس، الذي لولا جهاده "ليضع بلاده كقوة وكيان مهم في بدايات القرن العشرين فما من أحد غير الله يعلم ما الذي كان يمكن أن تكون عليه الجزيرة العربية الآن".
 
وقرأ الأبنودي ما حدث بنظرة أشمل حيث أسبغ الملك المؤسس حمايته على الجزيرة "من كل الاختراقات المحتملة مثل الشيوعية أو أن تصل الحرب العالمية الأولى أو الثانية إلى داخل هذه المناطق فتدمرها من دون وازع" بينما بتوحيده المملكة "أيقظ وعيًا بالحرية والاستقلال في الدول المحيطة به؛ حيث ألهم الوطنيين في سوريا والعراق والبحرين وقطر والكويت بالنهوض من أجل تحرير بلادهم".. لذلك حمل الأبنودي كل ما استطاع من كتب ودراسات عن الملك عبدالعزيز وغادر القاهرة وعاد بالأوبريت. 
 
المقال /محمد الشاذلي
بوابة الأهرام
التعليقات