اجتهادات ما لا يمكنُ شراؤه

لا تستطيعُ شراء الروح والالتزام والشجاعة مهما أنفقت. كان هذا أفضل تعليقٍ قرأتُه على هزيمة فريق باريس سان جيرمان أمام بايرن ميونيخ ذهابًا وإيابًا، ومغادرته دورى أبطال أوروبا. الفريقُ المهزومُ هو الأكثر إنفاقًا فى العقد الأخير. أبرم 77 تعاقدًا مع لاعبين, وخمسة مع مدربين خلال تلك الفترة، وأنفق ما يقرب من مليارى يورو, حسب بيانات اليويفا.
 
مازال هناك ما لا يمكنُ شراؤه بالمال فى مجتمعُ السوق الذى صار أحد أكبر الأخطار التى تُهدَّدُ البشرية. بلور مايكل ساندل مفهوم مجتمع السوق، كأفضل ما يكون، فى كتابه الصادر قبل نحو عشر سنوات (ما الذى لا يمكن أن يشتريه المال: الحدود الأخلاقية للأسواق). كثيرُ مما لم يكن متصورًا عرضه للبيع والشراء قبل عقدين أو ثلاثة فقط متداولُ الآن فى مجتمع السوق. قيمُ ومبادئ، وليست سلعًا وخدماتٍ فقط.
 
ومع ذلك يبقى المالُ عاجزًا عن شراء الصحة لمصابٍ بمرضٍ عضال ويمكنه التخلى عن ثروته كلها للشفاء منه. وقل مثل ذلك عن الشعور بالرضا، والعثور على أصدقاء أوفياء، ونيل محبة الناس, وغير ذلك. ومن أهم ما لا يمكن شراؤه الوطن إذا فرضت ظروف خارجةُ عن إرادتك أن تغادره، أو إن وقع تحت هيمنةٍ أجنبية، تستطيعُ شراء جنسية بلدٍ آخر مادام لديك ثمنها، ولكنك تبقى غريبًا فيه. ولهذا ستظلُ هناك أشياء لا تُقدَّر بثمن: (أترى حين أفقأ عينيك/ثم أُثبَّت جوهرتين مكانهما .. هل ترى؟ هى أشياء لا تُشترى ..). هكذا عبَّر الراحلُ الكبير أمل دنقل عن معنى أن هناك ما لا يُقيَّمُ بكنوز الأرض كلها.
 
وكذلك الحالُ بالنسبة إلى بعض البشر برغم أن مجتمع السوق غيَّر الكثير فى تكوين أعدادٍ متزايدةٍ منهم، فصار التخلى عن القيم والمبادئ أسهل من ذى قبل. ونجدُ تعبيرًا عن هذا المعنى فى عبارة (كل واحد له تمن) التى توضعُ على ألسن ممثلين فى بعض الأعمال الدرامية. ومع ذلك مازال هناك من لا يمكن إغراؤهم بالمال. أما إذا لم يبق من وما لا يمكن شراؤه، فقل على هذه الدنيا سلاما.
 
مقال / د.وحيدعبدالمجيد
بوابة الأهرام
 
التعليقات