مقعد بين شاشتين

ان تري حياتك علي الشاشة
 
ترك المخرج الكاميرا في بيت شادية ،وابنتها في المنطقة الشعبية التي تسكنها ،وذهب بكاميرا ثانية الي بيت اختها سحر وابنتيها ،ولم يصعد وانما ارسل مساعدته الاولي الي بيت شادية لتسجل كل ما يحدث بينها وبين ابنتها ،وارسل المساعدة الثانية الي بيت سحر لتسجل اجزاءمن حياتها مع بناتها ،وتواصلها عبر الموبايل مع محاميها لتحصل علي نفقتها من ابو البنات ،طليقها ،وكذلك الامر مع زوج شادية السابق ،الهارب من النفقة ،ولنجد انفسنا امام فيلم وواقع ،فيلم نعم ،ولكن مخرجه وكاتبه احمد فوزي صالح ترك الحياة تتكلم بالنيابة عنه كمخرج وكاتب،وترك الشخصيات تعيش امامنا وكأننا غير موجودين ،لنري جزء من حياة بعضنا ،خاصة النساء اللواتي  يعانين الكثير ،والبنات اللواتي يكبرن علي الاب البعيد والصراع الدائم (حكاية شادية واختها سحر)هو اسم الفيلم الذي اثار الكثير من الجدل  والنقاش في الندوة التي اعقبت عرضه في آخر ايام مهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولي للسينما التسجيلية والقصيرة (من١٣-٢٠مارس) والذي يقيمه المركز القومي للسينما منذ سنوات طويلة وحيث يكمل ربع قرن بالتمام والكمال في دورته القادمة عام٢٠٢٤،وفي هذه الدورة الرابعة والعشرين بدا واضحا وجود حالة من التعاون الكبير من المركز برئيسته الجديدة المونتيرة منار حسني مع رئيس المهرجان لهذه الدورة الناقد عصام زكريا ،وهو ما أثمر علي برنامج كبير ومتنوع ومفاجئات مهمة في عالم السينما التسجيلية الطويلة ،والقصيرة ،والأفلام الروائية القصيرة ،وافلام التحريك ،(١٢٣فيلما من ٥٠دولة ) وصولا للافلام القصيرة جدا (الفيلم مشهد واحد يلخص القضية او الفكرة او القصة ) ،الي جانب برامج جديدة ومبتكرة مثل (البورتريه )الذي يعبر عن حياة شخصية مرموقة في عالم الابداع الفني مثل المخرج اللبناني (برهان علوية )وافلامه عن الجنوب والصراع العربي الاسرائيلي ،والمخرج السوري (عمر اميرالاي) الذي عرف بالمتمرد وفيلم عنه بعنوان (الحزن والزمن والصمت ) ،وفيلم عن راقص الباليه المصري الكبير ورئيس دار الاوبرا (عبد المنعم كامل) وتاريخه الحافل بالابداع كمدرب وراقص ومدير في (رقصة لا تنسي )وفيلم رابع عن مبدع سوري من ذوي الهمم اصبح من كبار عازفي الموسيقي. في العالم ،وبالطبع فهذه افلام خارج المسابقات ،لكنها جواهر لابد من رؤيتها ،الي جانب افلام اخري مهمة ضمن (البرنامج الالماني )لهذا العام بالاشتراك مع معهد جوتة، واهتمام خاص بنوع جديد من الافلام هو الفيلم العابر للنوع ،،اي الذي يمزج بين التسجيلي والتوثيقي والروائي ،وهو ما عبر عنه فيلما الافتتاح للمهرجان ،وهما (وصية رجل حكيم في شوؤن القرية والتعليم )والذي اخرجه داوود عبد السيد في بداياته وقبل ان يصبح واحد من كبار مخرجي الفيلم الروائي في مصر ،وايضا فيلم فنان السينما محمود عبد السميع مدير التصوير السينمائي والمكرم هذا العام  وفيلمه عن الفنان التشكيلي الكبير (حامد سعيد )،والذي عرض في ندوة تكريمه. مع ومناقشة كتاب الناقد اسامة عبد الفتاح عنه ،وكذلك الامر مع الناقد السينمائي  القدير محمود علي وكتاب الناقد عرفة محمود عنه ،والمكرم الثالث كان المخرج الاسكتلندي(مارك كازينز )والمؤرخ السينمائي الذي اخرج خمسين فيلما منها عشرين فيلما طويلا وثلاثين فيلما قصيراوله تجربة مهمة تحدث عنها في ندوة ،،والحقيقة ان الجانب الثقافي للمهرجان كان  زاخرا ايضا مثله مثل الافلام التي قدمها لكل ما يحدث في العالم ،ومن هنا جاءت اهمية ندوة (الاقتصاد وعلاقته بالسينما )،وندوة عن السينما وحقوق الملكية الفكرية ،وحلقة بحث عن الصحافة الفنية في مصر تستحق كتابة مستقلة ،ادارها الناقد والمؤرخ الدكتور ناجي فوزي ،وعلي مدي يومان عرفنا الكثير من كتبوا ابحاثها من النقاد وهم اشرف غريب وياقوت الديب ومحمد دياب وناهد صلاح وامنية عادل  عن الصحافة الفنية وكيف بدأت وانتشرت وتغيرت الخ .
 
كانت مدينة رائعة
 
في فيلم (تولياتي الهادئة ) تأخذنا المخرجة نورا سيستريح الي مدينتها الاولي( تولياتي) التي كانت مدينة رائعة حين كانت رائدة في صناعة السيارات ،خاصة سيارة (لادا)الشهيرة ،قبل ان تتوقف الصناعة وتصبح المدينة طاردة لشبابها ،وفي فيلم (طحطوح )الجزائري للمخرج محمد والي يأخذنا العجوز حسان الي قضيته الدائمة ،وهي الدفاع عن قريته (افيجو )التي هجرها اهلها اثناء مرحلة الارهاب منذ ثلاثين عاما ،وفي فيلم (ملاحظات علي النزوح )للمخرج خالد جرار الفلسطيني الاصل نتعرف علي الرحلة القاسية لطالبي اللجوء،وما يمرون به من مشاكل من خلال رحلة عائلة سورية الي المانيا ،وفي فيلم بعنوان (ام واحدة )يجاهد مخرجه ميشيل بانديلا الافريقي الاصل والذي قضي عشرين عاما في دار رعاية عن امه من خلال تسجيلات صوتية ومحادثات لاثنين من الامهات ،كل منهما لها صلة به لكنه يريد الحقيقة في فيلم يطرح قضية وجودية صعبة ،وفي فيلم (حياة مثل غيرها )تقودنا المخرجة الفرنسية فاوستين كروس الي قصتها الحقيقية مع امها ،والتي بدأت منذ زواج ابويها وحيث اعتاد الاب تسجيل وتوثيق كل لحظات الاسرة في صور وفيديوهات للذكري ،لكن الابنة  -تكتشف حين تكبروتصبح مخرجة وتعيد رؤية ما تركه الاب للاسرة ان امها ظلمت ،وانها حرمت من امور كثيرة ،ومن حريتها ،وعملها ،وصمتت من اجلها ،فتقرر الابنة الاعتذار عنها وعن الاب بعد كل هذه السنين من خلال هذا الفيلم الجميل والذي أثار اعجاب جمهور المهرجان ،خاصة مع حضور الام مع ابنتها المخرجة لتصبح الصورة اكثر وضوحا لنا كمشاهدين ،،فيلم مؤثر ،وملهم للكثيرين منا بأعادة اكتشاف حياتنا وذواتنا من خلال ما نملكه من صور وملفات وافلام عائلية ،أنه حقا مهرجان كبير
التعليقات