قطة الإمام

شغلت «قطة الإمام»، التي تسلقت جسد إمام يصلى بجموع المصلين، الرأى العام على مدار أيام. البعض اعتبرها دليلًا وبرهانًا على أن الإسلام دين رحمة وسماحة وإنسانية. والبعض الآخر تعامل معها وكأنها فتح دينى جديد من شأنه أن يجذب الملايين لتدخل إلى دين الله أفواجًا. فريق ثالث فتح أبواب «ماذا لو؟» على مصاريعها، فبين سائل متخابث عبر سؤال: «وماذا لو كان المتسلق كلبًا وليس قطة، حيث عمليات شيطنة الكلاب الممنهجة، التي تمت على أيدى وألسنة العديد من رجال الدين على مدار عقود طويلة؟»، وسائل يهوى التحليل والتنظير، ولا يخلو من دهاء أيضًا، ويتعجب من هذه الفرحة العارمة والبهجة الغامرة، وكأن المتوقع من الإمام في هذه الحالة أن «يغز» القطة بسيف مسلول أو يلقى بها من نافذة المسجد عقابًا لها على تجرؤها على اقتحام قدسية الصلاة، ومتسائلًا: هذه الفرحة المُبالَغ فيها ربما تخفى «بطحة» على الرؤوس سببها الترويج لنسخة التفسير الدينى المائل للعنف الفكرى والجانح للقساوة في المعاملات، والتى راجت كثيرًا وعميقًا منذ سبعينيات القرن الماضى. وفريق غلبه الوسواس القهرى فبات يجوب أرجاء الـ«سوشيال ميديا» إما داعيًا إلى التحقق من مصداقية الفيديو أو متكهنًا بأن اللقطة تم تصويرها بعد الاتفاق مع القطة حتى يتم ترويج المقطع لأغراض دعوية. وبعيدًا عن ردود الفعل التي غلب عليها الإعجاب، تتوالى احتفالات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا الاحتفال في رأيى يسلط الضوء على العديد من النقاط، أولاها أن جهود تشويه الدين عبر نشر نسخة التدين السبعينياتية الملقبة بـ«الصحوة» حينًا و«العودة إلى الجذور» حينًا، جاءت بنتائج مؤكدة كشفت عنها قطة الإمام.
كثيرون بين غير المسلمين تعجبوا من سماحة الإمام، وكأن المتوقع منه كان زهق روحها. وذهب البعض إلى التساؤل الفعلى عما إذا كان رد الفعل هذا استثناء أم أن في الإسلام فعلًا سماحة تختلف عما يسود حاليًا بفعل جماعات عنيفة تارة، وتفسيرات غارقة في التشدد والانغلاق تارة أخرى. كما سلطت القطة الضوء على حاجتنا الماسّة إلى الانفتاح على العالم، لا بإرسال قوافل الدعاة وجماعات الخطابة إلى مشارق الأرض ومغاربها فقط، ولكن بنشر ثقافة السماحة والتسامح أولًا بين المسلمين، وتركهم هم أنفسهم يقومون بدور سفراء الدين. الحكم الشعبى على الدين- أي دين- لا يأتى عبر رحلة دعاة إلى أوروبا أو زيارة مشايخ إلى الهند والسند بقدر ما يأتى عبر تعامل الناس مع بعضهم البعض.
 
قطة الإمام تخبرنا أن الطريق أمامنا طويل، وهو ليس طريق دعوة سكان الكوكب إلى الإسلام، ولا تصوير مقاطع تيك توك لإخبار نساء غير المسلمين بأن «وشهم في الحجاب نور»، ولكن عبر إبطال مفعول القنابل التي تسير على قدمين، والتى هي نتاج نسخة التدين المبنية على الرهبة والخوف والعنف وتعطيل العقل وزج أنف رجال الدين في دخول الحمام والخروج منه.
 
المقال / أمينة خيرى
المصرى اليوم
التعليقات