البائع «الغلبان» العبوس

بين تلال الهبد اللامتناهى على منصات التواصل الاجتماعى، يمكن للمتابع أن يخرج بفائدة أو اثنتين بين الحين والآخر. ولأن عقيدة العمل لدينا تشغل فكرى كثيرا، فقد لفت نظرى «بوست» كتبه أحدهم على صفحة تحوى مجموعة كبيرة من سكان إحدى المناطق «الراقية» (من حيث أسعار الوحدات السكنية وليس بالضرورة التركيبة الأخلاقية لملاكها).
 
حكى الكاتب عن تجربة مريرة، لكنها متكررة لدرجة الاعتياد فى التعامل مع البائعين فى محل حلويات شهير. اشتكى من العبوس والتعامل باستعلاء من قبل البائعين لدرجة أنه فى نهاية المطاف امتنع عن الشراء حقنا لأعصابه.
 
والحقيقة أن ما حكاه الأخ الفاضل ليس غريبا. بل الغريب أنه مازال بيننا من يجاهر بعدم الرضا بسبب سوء معاملة البائع، آه والله، سوء معاملة البائع، أى مزود الخدمة، أى الشخص الذى يتوقف أكل عيشه سواء كان صاحب محل أو عاملا فيه على حسن معاملة الزبون أو العميل.
 
وصلنا لدرجة التعايش والتواؤم مع إساءة معاملة العميل «ولو مش عاجبه يشرب من البحر أو يضرب رأسه فى أقرب حائط».
 
وقد وصلنا إلى هذا التعايش والتواؤم منذ سنوات طويلة، حتى بات سوء المعاملة متوطنا. وقد كتبت مرارا عن الجهود الحثيثة التى يبذلها سائق التاكسى أو تطبيقات النقل أو العاملين فى المحلات أو موظفى الاستقبال وأحيانا خدمة العملاء وغيرهم من مقدمى الخدمات ليشعر العميل بأنه قرفان منه ولا يطيق خدمته أو النظر إلى وجهه، بالإضافة إلى بذل الغالى والنفيس ليخبره أنه أحسن وأرقى وأفضل منه، ولولا الحظ العاثر والأيام السوداء لما اضطر لخدمته.
 
وسردت تجربتى مع بائع فى محل لم يرفع عينه من على شاشته، وكان إما يتجاهل الرد على أو يتمتم بكلمات غير مفهومة تفيد أنه مشغول الآن، وذلك قبل أسابيع قليلة. يبدو الوضع أقرب ما يكون إلى إحدى روايات الهزل العبقرية لأوسكار وايلد مع فارق وحيد، وهو أنها تتكرر يوميا وعلى مدار الساعة، ودون أن يلتفت أحد لمدى هزليتها.
 
ثم يأتى البعض ويندب حظه حيث أخوة عرب مقيمون فى مصر يتفوقون علينا فى قطاع المأكولات لا بسبب حلاوة الطعام فقط، لكن لحسن المعاملة والنأى عن اعتبار الزبون أرضا خصبة لإساءة المعاملة وممارسة سخافة المعاملة ولزاجة الحديث.
 
لكننا لا نرى إلا تفوقهم دون النظر إلى أسبابه. والأكثر هزلا هو دفاع كتائب الزبائن الذين تتم إساءة معاملتهم عن المسيئين، وذلك برفع رايات «معلش أصله غلبان» و«معلش يمكن متخانق مع مراته» و«معلش أصله مطحون»، وكأن الزبائن قادمون من كوكب آخر حيث الترف والسعادة والبهجة.
 
الغريب أن نفس البائع الغلبان المتخانق مع مراته المطحون هذا حين يسافر إلى دولة أخرى، ويعمل فى المهنة ذاتها وتتم معاملته باستعلاء من قبل قطاع عريض من الزبائن لا يفتح فمه إلا للابتسام والشعور بالسعادة والامتنان.
 
 
 
المقال / أمينة خيرى
المصرى اليوم 
التعليقات