رغي وهبد وشات

 
الحياة تحولت إلى صراخ.. رغى وهبد وشات.. 24 ساعة كلام بالفويس أو بالفيديو أو بالكتابة.. عجيب أمر جدى الذى كان يتكلم دون أن تتحرك شفتاه.. كان يسقينى المعنى فى الوريد.. وما أسرع ما كان يستقر فى خلايا عقلى ووجدانى.. كان يخاطبنى بالصمت.. أو ربما كان يساعدنى بطريقته الخاصة على تقطير المعانى من داخلى إلى داخلى.. ربما كان الذى يناجينى هو صوت من داخلى كشفته محنة كورونا وليس جدى.كانت هذه المعانى تتجول داخل نفس «آدم الصغير» وهو يسترجع التجربة ويستعيد محطات الرحلة، حين دخلت عليه أمه قائلة:
 
- الأم: يا ابنى هى العزلة بقت عندك هواية.. ربنا يلعن كورونا وكل الفيروسات اللى فى الدنيا.. ليه ما بتنزلش تقابل أصحابك وتتكلم معاهم تفك عن نفسك شوية.. انت الحمد لله خفيت.. عملوا لك مسحتين طلعوا سلبى.
 
- الشاب: هو بابا فين؟
 
- الأم (ساخرة): بيشيت ع التليفون مع شلة مصر الجديدة.. اتعلم من أبوك.. ما انت طول عمرك نفسك تعمل زيه.. يبقى عندك شلة فى أكتر من حتة.. بردو التغيير حلو.يتركها آدم وينزل للقاء شلة «إكسبريسو» التى تعود أن يتناول معهم هذا المشروب داخل السيارة. يلاحظ صديقه «زياد» حالة الصمت التى انتابته مؤخراً فيقول له:
 
- زياد: يا عم الساكت.. روق حالك من موضوع كورونا.. الحمد لله عدت على خير.
 
- آدم: الحمد لله.. أنا شفت الموت بعينيا.
 
- زياد: كبّر وانسى.. وبعدين انت أسد المعادى ما تأثرش فى كورونا ولا مورونا.. يا عم ده انت كلتها بسنانك.. موت إيه اللى انت جاى تقول عليه!.
 
- آدم: انت مش فاهمنى.. بقول لك شفت الموت.. يعنى شفت الأموات وكلمتهم.. قابلت جدى وحكى لى حاجات كتير أوى.. مكنتش أعرفها.
 
- زياد (ساخراً): أى.. همه كانوا بيدوك إيه بالظبط فى المستشفى يا كبير؟
 
- آدم: انت عارف.. أنا حتى السيجارة ما بشربهاش.. مش غاوى الكلام ده.
 
- زياد: لأ أنا بقول جايز ادوك أنواع معينة من الأدوية فيها مخدرات.
 
- آدم: يا عم ادونى بروتوكول العلاج.. مخدرات إيه بس!.
 
- زياد: يبقى كنت بتحلم.. على فكرة انت كنت بتهلوس كتير وانت نايم.
 
- آدم: الصندوق هو اللى هيثبت أنا كنت نايم ويهلوس.. ولا اللى شفته حقيقة.
 
- زياد (باستغراب): صندوق؟!.. صندوق إيه؟!.يعود آدم إلى المنزل، يجد أمه تجهز العشاء.. وأبوه جالس على المائدة.. يعبث كعادته فى الموبايل.. يجلس أمامه ويتأمل فيه.. تأتى الأم بعد أن انتهت من تجهيز المائدة وتدعوهم إلى تناول عشائهم.. وتمسك هى الأخرى بجهاز الموبايل.. تعبث فيه بيد وتأكل باليد الأخرى.. مثلما يفعل الأب.يتوجه آدم إلى أبيه قائلاً:
 
- آدم: الصندوق فين يا بابا؟.
 
- الأب (ضاحكاً.. ومستغرباً): صندوق إيه؟
 
- آدم: صندوق جدى.
 
- الأب (وهو يعبث فى الموبايل): الله يرحمه.. (باستغراب): إنما صندوق إيه ده اللى سابه؟
 
- آدم: الصندوق اللى فيه الخاتم اللى ورثه عن جده والكتب اللى ألفها.
 
- الأب (متعجباً): وإيه اللى عرفك بالحدوتة دى؟
 
- آدم: يعنى فعلاً فيه صندوق سابه جدى آدم.. وفيه الحاجات دى؟.
 
- الأب: أيوه.. بس بردو عرفت منين؟.
 
- آدم (بارتياح): الحمد لله.
 
- يكرر الأب السؤال: عرفت منين؟.
 
- آدم: رسالة من السماء.
 
ينظر الأب والأم إلى بعضهما باندهاش.
 
المقال / د محمود خليل 
الوطن
التعليقات