بحر الخيال الغدار

استكمالًا لمقال الغزل فى الملياردير متعدد المواهب إيلون ماسك المسيطر على عقول ومشاعر وأهواء وميول ومزاج مليارات البشر فى الكوكب. نعم يملك بين يديه اللتين يحركهما عقله الفذ مقاليد أمور المليارات من شعب منصات التواصل الاجتماعى، وتحديدًا «تويتر» التى يملكها. وتكفى نظرة إلى محتوى المنصات الإعلامية التقليدية واعتماد أغلبها على ما يرد فى «تويتر» من أخبار بشكل كبير، أو بتناقل محتوى التغريدات «شفهيًا» بين البشر. هذا الاعتماد النفسى والعصبى على الـ«سوشيال ميديا»، سواء لأغراض إخبارية وإطلاعية أو ترفيهية، حيث التواصل أو إفتائية بغرض التنظير والتحليل والتفسير لكل من يمتلك شاشة متصلة بالإنترنت- تعرض لهزات عنيفة منذ اشترى ماسك «تويتر». تارة قيل إنه سيغلق المنصة أمام العامة ويجعلها حكرًا على من يختار، وأخرى ألمح إلى تغيير قواعد الاستخدام، وثالثة يغير شعارها من عصفورة زرقاء إلى كلب ذهبى منقول من العملة «دوج كوين»، تاركًا العالم يضرب أخماسًا فى أسداس، ثم يعيد العصفورة أيضًا فجأة. أما «المناحة» العالمية التى شهدها الكوكب عقب قرار ماسك سلب حائزى علامة التوثيق الزرقاء التى يتباهى بها حائزوها على بقية خلق الله، وذلك بعد انتهاء فترى عملة «التوثيق المجانى» وبدء عصر الدفع فى مقابل التوثيق، لدرجة أن حسابات قادة العالم ومشاهيره أطلت عبر «تويتر» عارية من تفردها الأزرق. وأصبحت شأنها شأن بقية حسابات خلق الله ممن لم تمن عليهم السماء بشارة التوثيق التى تدل على أن صاحبها أرفع شأنا وأعلى مقامًا.

ومرة أخرى، وكعادة ماسك، استيقظ العالم على عودة علامة التوثيق، دون تحقق شرط الدفع، على الأقل لبعض حائزيها. ويظن البعض أن هذه القرارات الفجائية، والتى يحدث أغلبها حالة من البلبلة والصخب والجدل، هى نتاج تخبط فى سياسات «تويتر»، أو أنها ناجمة عن تغير رأى ماسك بين السلب والمنح أو تغيير الشعار والإبقاء عليه، إلخ، لكنى أعتقد أن هذه التقلبات العنيفة والتغيرات المتواترة وما تحدثه من صدمات رهيبة ومعارك جدلية مريعة وما تفجره من فتاوى وتنظيرات وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، تسعد ماسك كثيرًا. أكاد أراه جالسًا فى مكتبه فى مكان ما أو فى بيته وهى يتابع الهرج والمرج اللذين يتفجرا فى أرجاء المعمورة عقب كل قرار وقرار مضاد وهو يضحك ملء شدقيه. أتخيله جالسًا فى غرفة مزودة بشاشات عملاقة تتابع «أرض المعركة» الدائرة رحاها بلغات الأرض كلها عقب كل قرار وإجراء. أراه مستمتعًا بتكهنات حول ما جرى والآثار المتوقعة. وبينما الجميع غارق فى أقصى اليمين، يبادر هو إلى إجراء أو قرار ينقلهم بسرعة البرق إلى أقصى اليسار، وهلم جرا. فى رأيى أن الدرس المستفاد أن من يظن أنه ملك مقاليد حرية التعبير بامتلاكه صفحة على الـ«سوشيال ميديا» غارق فى بحر الخيال غير العلمى الغدار.
المقال / امينة خيرى 
المصرى اليوم
التعليقات