جزر سليمان فى المحيط الهادى تثير قلقًا جديدًا مع الصين

في البداية قد يبدو أن هذا الموضوع خارج اهتمامات المواطن المصرى، لكن بعد حرب أوكرانيا، ظهر للجميع أن أي حدث يتم في مكان يؤثر على العالم كله، حيث سبق أن كتبت مقالًا سابقًا بعنوان: «نحن نعيش في زمن الأوانى المستطرقة»، لذلك رأيت عرض هذا الموضوع، حيث يبدو أن العالم لا يريد أن يعيش في سلام واستقرار، فالحرب الروسية الأوكرانية رغم أنها حرب محلية بين دولتين فقط، فإنها أصبحت حربًا عالمية من حيث التأثير الاقتصادى لكل دول العالم الفقيرة والغنية، وبعد مشكلة الحرب الروسية الأوكرانية، ظهر للأمن العالمى صراع جديد في منطقة القطب الشمالى بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول الاسكندنافية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، خاصة بعد انضمام فنلندا إلى حلف الناتو لتصبح الدولة رقم 31.

 

وأخيرًا جاءت المشكلة الجديدة في المحيط الهادى، حيث تولد صراع جديد بين أستراليا والولايات المتحدة من جهة والصين من جهة أخرى، والتى عُرفت باسم «مشكلة جزر سليمان»، فهى دولة، جزيرة، واقعة جنوب المحيط الهادى، بالقرب من دولة أستراليا، ويبلغ عدد سكانها 800 ألف نسمة، وتتكون سلسلة جزر سليمان من عدة جزر بركانية كبيرة تقع إلى الجنوب الشرقى من بابوا غينيا الجديدة، بالإضافة إلى جزر أخرى، وتتميز الجزر بتضاريس جبلية وغابات كثيفة، وينحدر أكثر من 90 في المائة من سكان الجزر من أصل ميلانيزى، والباقى من عرقيات مختلفة، وكانت هذه الجزر في السابق محمية بريطانية، تعانى الاضطرابات المدنية بين الجماعات العرقية، التي شهدتها بين عامى 1998- 2003، وكادت توصلها إلى حافة الانهيار.

 

 

فجأة باتت «جزر سليمان» شرارة أزمة دولية جديدة وسببًا لبيانات وتصريحات من أستراليا إلى الولايات المتحدة والصين. وهذه الدولة في المحيط الهادى تقع ضمن دائرة جغرافية قريبة من أستراليا، إلا أن دولة جزر سليمان قامت بخطوة أثارت ليس فقط الغضب في أستراليا والولايات المتحدة، إنما الخوف أيضًا، بعد التوقيع على اتفاقية أمنية مع الصين ببنود تكشف بوضوح أن أيام أستراليا فيها ربما ولّت، فقد أثارت مسودة وثيقة مسربة الشهر الماضى لاتفاق بين دولة جزر سليمان والصين مخاوف في كانبيرا، عاصمة أستراليا، من أن يؤدى ذلك إلى تعزيز الوجود العسكرى للصين في المحيط الهادى من خلال تواجده في دولة جزر سليمان. أما الأكثر إثارة للقلق في الوثيقة بشكل خاص فهو تضمنها بنودًا تسمح للصين بالقيام بانتشار أمنى وبحرى في جزر سليمان، مع الحفاظ على سرية هذه المهام الأمنية.

 

 

من هذا المنطلق، أعلنت وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، أن إبرام دولة جزر سليمان اتفاقًا أمنيًّا مثيرًا للجدل مع الصين لن يعنى انتهاء التعاون الدفاعى بين بلادها وهذه الدولة الصغيرة الواقعة في جنوب المحيط الهادى. وقالت إن المعاهدة الأمنية الثنائية القائمة بين أستراليا وجزر سليمان ستبقى سارية، حتى وإن تجاهلت الدولة التماسات كانبيرا وأصرت على توقيع الاتفاقية الأمنية مع الصين.

 

 

وفى الشهر الماضى أرسلت كانبيرا خطابًا من سيسيليا، وزير التنمية الدولية وشؤون المحيط الهادى، إلى هونيارا، عاصمة جزر سليمان، لحضور اجتماع غير عادى مع «سوغافارى»، رئيس وزراء دولة جزر سليمان، الذي كان منخرطًا في حملات انتخابية للانتخابات النصفية.

 

 

وطلب الوزير الأسترالى من «سوغافارى» إعادة النظر في توقيع هذا الاتفاق، لكن رئيس الوزراء بقى على رأيه، وبدلًا من ذلك قال «سوغافارى» بعد الاجتماع إنه سيرسل وزير خارجيته إلى دول أخرى في المنطقة لشرح الاتفاق الأمنى مع الصين انطلاقًا من أن دولة جزر سليمان قوية ومستقرة، وسيكون هذا الاتفاق مفيدًا لأمن المنطقة.

 

 

وعلى الاتجاه الآخر، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن بكين ليست لديها خطط لبناء قاعدة عسكرية في جزر سليمان، ولا تزال تفاصيل الاتفاق حتى الآن غير واضحة، إلا أن المسودة المسربة على الإنترنت قيل إنها لنص الاتفاق، وأثارت المخاوف من تمدد الصين في تلك المنطقة الاستراتيجية، إذ تشير بعض بنودها إلى أنه سيتم السماح للبحرية الصينية برسو سفنها الحربية هناك، لذلك من المنتظر أن يتوجه وفد أمريكى رفيع المستوى إلى جزر سليمان في الأيام القادمة لمناقشة الأمر مع الحكومة هناك.

 

 

وتقول الصين إن الغاية من اتفاق التعاون الأمنى هو دعم قدرة دولة جزر سليمان، التي كانت في الماضى محمية بريطانية، بهدف الحفاظ على الأمن والنظام داخل المجتمع هناك، خاصة أن هذه الجزيرة شهدت في الفترة الأخيرة اضطرابات عدة، كما يعانى قطاع كبير من سكانها الفقر.

 

 

وفى نوفمبر الماضى، أرسلت الحكومة الأسترالية عناصر من قوات دفاعها للمساعدة في قمع أعمال الشغب الدامية التي اندلعت حينها في العاصمة هونيارا، بعد أن اقتحم محتجون البرلمان في محاولة للإطاحة بـ«سوغافارى»، رئيس الوزراء.

 

 

ولم تؤكد جزر سليمان صحة التفاصيل الواردة في مسودة الاتفاقية التي سُربت على الإنترنت، لكنها أعلنت حينها أنها كانت بصدد «توسيع» ترتيباتها الأمنية مع مزيد من الدول و«تنويع شراكة البلاد الأمنية (مع دول أخرى)، بينها الصين»، ولا شك أن التحرك الصينى في هذا الاتجاه في المحيط الهادى سوف يغير من استراتيجيات المنطقة، وخاصة بالنسبة للوجود الأمريكى هناك، والذى كان يعتمد على استراليا، والآن جاء هذا التصرف من دولة جزر سليمان لكى يضع للصين موضع قدم في تلك المنطقة، مستغلة فقر هذه الدولة وحاجتها للأموال.. ومن هنا سوف نرى الولايات المتحدة الأمريكية في القريب العاجل سوف تتخذ من الإجراءات العسكرية لتقييد دور الصين في دولة جزر سليمان.

 

 

وعمومًا، فإن الصين بدأت في اتخاذ هذه الإجراءات بعد تصاعد التوتر من جانب الولايات المتحدة تجاه تايوان، والتى بدأت بزيارة «بيلوسى»، رئيسة الكونجرس الأمريكى السابقة، لتايوان، ثم زيارة رئيس تايوان إلى الولايات المتحدة، ومقابلة «مكارثى»، رئيس الكونجرس الأمريكى، الذي دفع الصين إلى القيام بمناورة عسكرية في محيط تايوان، وقامت خلالها بمحاكاة طريقة حصار الجزيرة في مناورة أُطلق عليها السيف المشترك. ولقد أعلنت روسيا تأييدها لبكين، معتبرة أن بكين تتعرض لاستفزازات من قِبَل الولايات المتحدة.

 

 

وعلى الطرف الآخر، قال رئيس وزراء تايوان، تشن تشان جين، إن بلاده لم ترد على هذه المناورات الصينية، ورغم أن البعض يرى أن هذه الاستفزازات والمناورات قد تؤدى إلى اشتعال الحرب في هذه المنطقة من العالم، لكننى أؤكد أن الصين لديها من العقلانية ألّا تدخل في نزاع عسكرى يوقف تقدمها الاقتصادى أو في حرب تستنزف فيها نحوها الاقتصادى، لذلك تعمل كل الأطراف حاليًا على تحقيق أمنها القومى، خاصة أستراليا واليابان ومعها الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة.

المقال / اللواء سمير فرج 

المصرى اليوم

 

التعليقات