الكهف ملجأ الأثرياء والبؤساء

دفع 1200 دولار لتحظى بنزهة تحت الأرض أو بداخل سفح جبل، نزهة يهرب بها صاحبها بعيدًا عن سطح الأرض، برغم قسوة العيش بين جنباته؛ فالكهف كان أول منزل عرفه الإنسان البدائي، وإنسان اليوم يتزاحم على حجز قضاء وقتٍ للأقامة فيه لمدة أيام أو لبضع ساعات.
 
حياة الكهف كانت مصدر تشريف واعتزاز لأهالي الصين؛ لأن زعيمهم "شي جين بينج" عاش وحيدًا في كهف لمدة 7 سنوات، دخل الكهف وعمره خمسة عشر عامًا، عانى قسوة الحياة في قرية نائية بلا كهرباء ولا موصلات، ظل يقرأ في كهفه على مصباح كيروسين، غادره في سن الثانية والعشرين.
 
سياحة الكهوف صارت عشق الأثرياء وأبناء الطبقة الأرستقراطية، تشبعهم غبطة النوم تحت سقفها، وتسعدهم معاناة الصعود والسير فوق الصخور واقتحامهم عالم الكهوف الخفي، سائح الكهف لا يختلف عن فوز رائد الفضاء بالسباحة فوق أرض جديدة يكتنفها الظلام.
 
200 أسرة فلسطينية لم يحالفها حظ الاستمتاع بالحياة في كهوف إسبانيا ونظائرها في بقية دول العالم، كهوف تنبعث منها العطور والنور، مهدت الحكومات الطرق المؤدية إليها، ووفرت فيها كل سبل الترفيه، غير أن هؤلاء الفلسطينيين سلب الاحتلال الإسرائيلي منهم أدنى وسائل الحياة البسيطة، أما الفلسطينيون سكان كهوف بلدة "مسافر يطا" جنوب الضفة الغربية فيحظر عليهم المحتل السماح بتسلم المساعدات؛ سواء الدولية أو العربية، ويمنع امتداد الكهرباء والمياه إليهم، بحجة أنها منطقة عسكرية.
 
وفي نفس الوقت الحكومة الإسرائيلية تشيد المستوطنات بجوارها، ولم يسلم مولد الكهرباء من مصادرة جنود الاحتلال له، الذي يعد المصدر الوحيد للإضاءة والتدفئة، واضطرت الأسر الفلسطينية بـ"مسافر يطا" الفرار إلي الكهوف، فقد دمر الاحتلال ديارهم القديمة عام 2011، وجرافات جيش الاحتلال تزيل على الفور أي بيت من طين أو صفيح، ومن وقت لآخر يحاول فلسطينيو الكهوف توفير حياة شبه آدامية لأبنائهم.
 
ويعلم جيدًا الفلسطينيون سوء نية السلطات الإسرائيلية وممارستهم الضغط لتهجيرهم، لكي يتسنى للاحتلال استكمال بناء المستوطنات، ولذا لن تثني عزيمتهم قسوة حياة الكهوف، ولم تثنِ سبل الترهيب عن صمودهم في البقاء على أرضهم.
 
وعلى بعد آلاف الأميال من كهوف الفلسطينيين يعيش أهالي قرية "البهاليل" المغربية أو قرية "بهاء الليل" الواقعة على سفح جبل "اكندر"، الحياة بداخلها تختلف عن سابقيها، تزينها النقوش من الخارج، وتنعم بالإضاءة والمياه، ويرفض أغلب أهلها مغادرة كهوفهم والانتقال إلى سكنى المنازل الحديثة، التي منحتها لهم الحكومة المغربية، ويعتبرونها إرث أجدادهم، وتمثل لهم مصدر رزق كبير، يتوافد إليها السائحون للمبيت وشرب الشاي، وسط أسر الكهوف، وتبقى أسر مغربية أخرى في انتظار من ينشلها من رطوبة وضيق الكهوف.
 
ومازالت الكهوف تحمل في جوفها الكثير من الأسرار، تعلن الصحف عن خروج الإسبانية الخمسينية من العمر من باطن كهف بعد قضائها 500 يوم داخله، وغابت "لبياتريث فلاميني" عن أحداث العالم تحت 70 مترًا دون اتصال خارجي، وتقول إن الوقت مر عليها سريعًا، ولم تكن لها رغبة في الخروج، وبذلك حطمت رقمًا قياسيًا عالميًا لأطول فترة يقضيها إنسان في كهف، واحتفلت بمفردها بعيد ميلادها مرتين تحت الأرض، ويبدو أن حياة الكهف أصبحت حلمًا يراود المتزوجين، واتخذه زوجان بريطانيان عشًا للزوجية، وبكامل إرادتهما انتقلا بصحبة ابنتهما الصغيرة، وتقول الزوجة ناعومي وولمسي كان لابد أن نهرب من صخب وملل واختناق البيوت ومحيطها، وعاشا حياة الإنسان الأول بالمعنى الحرفي، واستخداما أدواته المتعارف عليها في العصر الحجري.
 
ما أشبه العودة إلى حياة الكهف بشعور الحنين إلى الماضي، ودائمًا الماضي يحمل كل الذكريات الجميلة، وسياحة الكهوف خير دليل على رغبة إنسان العصر الحديث للهروب من ضيق القصور والكمبوندات إلى رحابة الكهوف في العصور البائدة.
 
 
المقال/ حسين خيري
بوابة الأهرام 
التعليقات