«كليوباترا» تُبعث من جديد


الدفاع عن الحضارة المصرية واجب ومسئولية، وهو حق للأجيال الجديدة -الأغلبية لا تقرأ- وتعتبر أن «الحقيقة» تأتى دائماً من «الجانب الآخر» حتى لو كانت تزويراً واختطافاً لتاريخ طويل صنع فيه المصرى القديم أقدم وأكثر الحضارات ندرة وغزارة.

هو دفاع عن «الهوية المصرية» بالأساس، والتى لم يكن أحد ليتصور أن هناك من يحاول السطو عليها واقتلاعها من جذورها، قد تتصور أن هناك من يسرق قطعة من آثار الحضارة المصرية القديمة يبيعها فى مزادات علنية بملايين الدولارات، وهو ما يتكرر من فترة لأخرى فى الخارج.. لكنها عملية خطف ثقافى وتزوير التاريخ التى يقوم بها أتباع «المركزية الأفريقية - الأفروسنتريك».

وفى قلب الاعتراضات والانتقادات الواسعة على إعلان منصة «نتفليكس» عن عزمها طرح فيلم عن حكاية كليوباترا التى أسهمت بشكل قوى فى التاريخ المصرى، ومعروف أنها مقدونية الأصل بسبب ملامحها التى تعكس ذلك الأمر، لكن الفيلم الأجنبى جعلها تبدو خمرية البشرة وكأن أصولها أفريقية.. بدأت التساؤلات تدور حول الأفروسنتريك نفسها التى تدعمها المنصة بتقديم هذا الفيلم المزيف للتاريخ.

الأفروسنتريك هى منظمة «عنصرية» قائمة على التعصب العرقى لـ«الزنوج»، أى أصحاب البشرة السوداء، وتَعتبر القضاء على الجنس الأبيض فى أفريقيا من أهم محاورها، كما أنها تروج لمزاعم أن المصريين الحاليين ليس لهم علاقة بالمصريين القدماء، أصحاب التاريخ الفرعونى الحالى.

كما يزعم الأفروسنتريك أن المصرى الأسود أصيل ونقى الدم، وأن المصرى ذا البشرة الفاتحة ليس مصرياً أصيلاً، إنما جاء من دول عربية وأوروبية واحتل مصر.

ولم تكتفِ حركة «الأفروسنتريك» ببث ما يخالف التاريخ المصرى فقط، بل ترى أن الحضارة المغربية وأيضاً الحضارة القرطاجية كانت حضارات زنجية، بحجة أن أول سكان شمال أفريقيا الأصليين هم من الزنوج من السود، على حد تعبيرهم.

كان من أصحاب الأفروسنتريك «مالكوم إكس» وهو أمريكى أسود فى فترة الستينات، يقول فى لقاء له مسجل للسود: «عندما تنظر إلى تمثال فرعونى مصرى قديم فعليك الربط بين الرجل الأسود والمصرى القديم، فتأكد أنك تنظر إلى نفسك، وإن الرجل الأبيض يريد أن يسرق هذا التاريخ له».

وأمام هذه المغالطات الفجة والممنهجة منعت مصر عرض الـ«ستاند أب كوميدى» لـ«كيفين هارت» فى مصر سابقاً، بعد أن دشن رواد مواقع التواصل الاجتماعى «هاشتاج» يطالب بإلغاء حفل النجم الأمريكى فى مصر، تحت عنوان: «حضارتنا ليست للسرقة».

وجاء ذلك بعد تصريحات له قال فيها: «يجب أن نعلم أولادنا تاريخ الأفارقة السود الحقيقى عندما كانوا ملوكاً فى مصر، وليس فقط حقبة العبودية، التى يتم ترسيخها فى التعليم فى أمريكا»، مما جعله متهماً بالعنصرية، وفبركة التاريخ المصرى.

هم يوظفون الفن إذاً فى نشر أفكارهم العنصرية ونشر سطوهم «أدبياً ومعنوياً» على الحضارة المصرية القديمة.. حتى فيلم «كليوباترا» من إنتاج «جادا سميث» زوجة الفنان العالمى ويل سميث، وهى ذات بشرة سوداء، وهو ما دفع البعض لاتهامها بدعم «الأفروسنتريك» بعد اختيارها ممثلة ذات بشرة سوداء لتأدية دور «كليوباترا».

لقد انتفض علماء الآثار فى مواجهة هذا الفيلم، وتصدى الإعلام المصرى المرئى والمكتوب ثم جاء الرد العملى من «قناة الوثائقية»، بقطاع الإنتاج الوثائقى فى شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بالإعلان عن بدء أعمال التحضير لإنتاج فيلم وثائقى عن الملكة «كليوباترا» السابعة Cleopatra VII، ابنة بطليموس الثانى عشر، وهى المعروفة باسم «كليوباترا»، آخر ملوك الأسرة البطلمية، تلك الأسرة التى حكمت مصر فى أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر. وأضاف البيان: انطلاقاً من المعهود دوماً فى جميع أعمال قطاع الإنتاج الوثائقى وقناة الوثائقية، فإن هناك جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد المتخصصين فى التاريخ، والآثار، والأنثروبولوجى؛ من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته لأقصى درجات البحث والتدقيق.

وفى تصريحات للإعلامى «شريف سعيد»، رئيس قناة الوثائقية، قال إنه منذ بدء التحضير لقناة الوثائقية وتأسيس قطاع الإنتاج الوثائقى كان من ضمن الفروع التى جرى العمل عليها فرع «علم المصريات»، والمشاهد المصرى والعربى وأى مكان دائماً ما يكون لديه شغف للمصريات، وهو قاسم مشترك بين شرائح كبيرة من المشاهدين. وأشار إلى أن الرد على أى شائعات تستهدف التاريخ المصرى يكون بالوثيقة والمعلومة المتخصصة المدققة، والسعى للوصول لأقرب وجه من أوجه الحقيقة.

أتصور أن هذا الملف لن يُغلق بفيلم «كليوباترا»، فنحن فى مواجهة منظمة عنصرية تلتهم تراثنا دون خجل وتنسبه لنفسها.. وبالتالى فإن المواجهة مستمرة وهى تحتاج لتكاتف كل الجهود الإعلامية والفنية والأكاديمية.


 

المقال / سحر الجعارة 
الوطن

 

التعليقات