الناس يتساءلون
الحفاوة على مواقع التواصل كانت عنوانًا لاستقبال كلمة عمرو موسى فى جلسة افتتاح الحوار الوطنى. والسبب أنها كانت صريحة، وشجاعة، وصادقة.
وقد ألقى موسى كلمته، بينما لسان حاله على عكس ما كتب سعد باشا زغلول إلى صديق له ذات يوم فقال: عذرًا على الإطالة لأنى لم أجد وقتًا للإيجاز. كانت الكلمة موجزة بقدر ما هو متاح، وكانت ذاهبة إلى مرماها مباشرةً دون وسيط ولا حجاب.
وكان يلقيها متأثراً بصلاح عبدالصبور فى قصيدته الشهيرة «الناس فى بلادى» التى يقول فيها: الناس فى بلادى جارحون كالصقور.. غناؤهم كرجفة الشتاء فى ذؤابة الشجر.. وضحكهم يئز كاللهيب فى الحطب.. لكنهم بشر.. وطيبون حين يملكون قبضتى نقود.. ومؤمنون بالقدَر.
ولست فى حاجة إلى نقل شىء هنا من الكلمة لأنها متوافرة على مواقع التواصل بكثرة، ولكن الذى استوقف الذين تابعوها أن صاحبها كرر فيها عبارة «الناس يتساءلون» عند بدء كل فقرة جديدة، فكان عنوانها الأعم: الناس يتساءلون.
جمع عمرو موسى رؤوس الموضوعات التى يفكر فيها الناس فى كل مكان، ثم وضعها على مائدة الحوار عن رغبة واضحة فى التنبيه إلى أن هذا تحديدًا ما يشغل الناس، وأن هذا هو ما يؤرقهم فى كل مجلس، وأن هذا هو ما يبيت الناس فيه ويصبحون، لا لشىء، إلا لأنه يرافقهم فى اليقظة وفى المنام، ولا لشىء، إلا لأنهم يريدون إجابة عما يملأ الأفق أمامهم من تساؤلات هى حادة بقدر ما هى حائرة!.
من كلمته تشعر أنه طوال سنوات كان ينصت فى كل مكان يجمعه مع الآخرين، وكان يستجمع ما ينصت إليه ويختزنه فى ذاكرة تسعفه عند الحاجة، فلما وقف على منصة الحوار أفرغ ما استجمعته الذاكرة، وألقى كل ما كان قد أنصت إليه من جمهور المصريين.
لم يشأ موسى أن يقول كلامًا ينساه المتابع بعدها بساعة، ولا شاء أن يُخلف ظن الناس فيه، ولا أراد أن يتحدث بغير ما تتحدث به الغالبية، ولكنه جعل من نفسه متحدثًا باسم الناس فى قاعة الحوار، ونقل إلى الدولة ما لا يتوقف الناس عن الحديث فيه لعل الدولة تلتفت بكل ما تملك من انتباه إلى أن هذه التساؤلات الحادة والحائرة لا يجوز أن تبقى مُعلقة فى فضاء البلد، ويجب ألا تظل هكذا فى موقعها بين السماء والأرض.
السؤال الجيد يقطع نصف الطريق إلى الإجابة، وقد قطعت كلمة الرجل نصف المسافة الذى يخصه فى تساؤلات كثيرة حملها على كتفيه إلى داخل القاعة.. أما النصف الآخر فيبقى على الطرف الذى يملك الإجابة، وطبيعى أنه ليس عمرو موسى.
المقال / سليمان جودة
المصرى اليوم