حبيبها
يقولون إن الحب يفجر الطاقات والإبداعات ومن آلامه تخرج الفنون والكلمات المنظومة المنغمة والألحان الخلابة والمشاهد السينمائية، التى تنافس الواقع والحقيقة وتنزع الآهات من الحناجر لتستقر فى الذاكرة وتسجل على شرائط الأيام والسنين لاسترجاعها فى أى وقت وزمن وعند الاحتياج إليها، وتشغل أجزاءً رئيسية من ألبوم الذكريات، ومن أوراق نتائج الحائط التى تزين بالألوان والرسومات التى ترمز لما حدث فيها.
ويبدو أن هذه المقولة صحيحة مائة بالمائة دون أى جدال أو احتمالات، لأن جميع من عاشت أعمالهم وأصبحت خالدة تتوارثها الأجيال وتستمتع بها وتعيش معانيها بسهولة دون أى معاناة مهما مرت السنوات، كانوا أصحاب قصص وحكايات نسجها الحب فخرجت من خلالها تلك الأعمال والإبداعات. وإذا كان الحب يعرف من وجهة نظر علم النفس بأنه كل إحساس أو شعور يترك فى صاحبه أثراً جميلاً، فيشعر بأن حياته أفضل من السابق، فهو ذلك اللغز الذى طالما فكّر فيه الإنسان وبحث عنه طويلاً، حتى خرج بدراسات توضح دور الهرمونات الدماغية، أو ما يطلق عليه علمياً بالنواقل العصبية على بدء الحب وتطوره ومراحله، فأكدت الدراسات أن تلك الأحاسيس ترجع إلى زيادة نسبة هرمون الدوبامين فى مراحل الحب الأولى من الانجذاب العاطفى والانبهار والاكتشاف، وصولاً إلى مرحلة التعايش والعشرة.
وقد كتب الكثير من الفلاسفة والأدباء عن تلك العلاقة بين الإبداع والحب، فقال أنطونى روبتر، السياسى والكاتب البريطانى، أن سر النجاح هو أن تتعلم كيف تستخدم الألم والمتعة، بدلاً من السماح للألم والمتعة باستخدامك، وهذا هو المعنى البسيط الواضح الذى نُردّده بطريقة أخرى عندما نقول إن الإنسان الناجح يوازن بين الطاقات الأربع «الروح والعقل والجسد والعاطفة».وفى أوراقنا الأدبية ودواوين الشعر العربى والأجنبى وموسيقانا نتذوق جميعاً ذلك الذى يتحدثون عنه، ولعل أقربها إلينا قصة حب الشاعر أحمد رامى لأم كلثوم، والذى كتب لها بسبب ذلك الحب ١٣٧ أغنية لمعت فى سماء الطرب فى المنطقة العربية، وما زلنا نُردّدها حتى الآن، وقد خرج كل هذا الإبداع من ألم قلب رامى وظل الفائز فى تلك العلاقة هو الفن، وقد عبّرت أم كلثوم فى أحد لقاءاتها الصحفية عن ذلك، بأنه شاعرها الذى يحترق لينير طريقها، وعندما سُئل يوماً لماذا لا يأخذ ثمناً لتلك الإبداعات، قال (وهل سمعتم أن قيس أخذ من ليلى ثمن أشعاره التى تغنى بها).
وأضاف (إننى أحبها ولا يوجد ثمن لذلك الحب أو هذه الكلمات، وقال إننى أحب أم كلثوم كما أحب الهرم، لم ألمسه ولم أصعد إليه، لكننى أشعر بعظمته وشموخه وكذلك هى).
وقد عاش تجربة الحب بدون أمل، والتى تدفع للنجاح والإبداع، الشاعر الطبيب إبراهيم ناجى، الذى ظل يكتب لحبيبته البعيدة، وكانت أجمل قصائده (الأطلال) مكتوبة على أوراق عمله عندما رآها بعد سنوات البعاد وأنقذها من الموت وتأكد أن حبه سيظل داخل قلبه إلى آخر العمر بلا أمل، فكانت الكلمات الرائعة المعبّرة والدواوين الشعرية، التى ترجمت إلى عدد من اللغات عن الحب والألم هى الأبقى ليعيش معها كل منا تجربته وذكرياته.وكان فقدان نزار قبانى زوجته وحبيبته «بلقيس» فى ذلك القصف المجنون بالمدفعية على منازل المدنيين فى المدينة من أهم ما رسم وكتب وسجل على أوراقه الخاصة، ومثل تلك التجارب كان ما مر به الشاعر مأمون الشناوى وغيره، ليكون المعنى الوحيد الذى يجب أن نؤمن به ونردده ونعيشه هو (الحب)، وأن تكون حبيبها حتى آخر العمر.
المقال / خديجة حمودة
الوطن